تقاريرثقافة وفنون

تعيين طارق نور رئيسًا للمتحدة للخدمات الإعلامية: تعزيز الفساد وهيمنة الإعلام المسيس

فجرت الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية مفاجأة غير مستبعدة لكنها تحمل في طياتها زلزالًا إعلاميًا يعكس عمق التلاعب والاستبداد الإعلامي في مصر، وقد تهز أركان القطاع بأسره، حيث عينت طارق نور رئيسًا لمجلس إدارتها، في قرار يثير الكثير من التساؤلات المشروعة في وقت تتزايد فيه الشكوك حول مستقبل الإعلام في مصر وعلاقته بالنظام الحاكم الذي يهيمن عليه بشكل شبه كامل.

لم يكن هذا التعيين مجرد تغيير إداري روتيني، بل هو إعلان واضح عن شراكة مريبة مع طارق نور، الذي يعد أحد الشخصيات الأكثر إثارة للجدل في البلاد، ويحمل تاريخًا مليئًا بالاتهامات بالفساد والمحسوبية.

إن وضعه في هذا المنصب لا يعكس فقط تغييرًا في القيادة، بل يُعد فتحًا لصفحة جديدة من التساؤلات والالتباسات حول مصير الإعلام المصري في ظل استمرار تحكم هذه القيادات المرتبطة بمصالح شخصية مشبوهة وتاريخ طويل من الشكوك حول نزاهتها.

السيطرة الإعلامية: أكبر من مجرد قنوات وأخبار

الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية ليست مجرد كيان إعلامي عادي، بل هي بمثابة ماكينة ضخمة تسيطر على معظم وسائل الإعلام في مصر.

هي تملك مجموعة من القنوات الفضائية الكبرى مثل “دي إم سي”، “الحياة”، و”سي بي سي”، بالإضافة إلى القنوات الحكومية مثل القناة الأولى والفضائية المصرية، كما تشمل ممتلكاتها العديد من المحطات الإذاعية.

وهذا النفوذ الإعلامي الضخم ليس مجرد سيطرة على الترفيه أو الأخبار العامة، بل هو جزء من منظومة أكبر تهدف إلى صناعة الرأي العام وتوجيهه وفقًا لأجندات وأهداف قد تكون بعيدة كل البعد عن مصلحة المواطن المصري.

الحديث عن هذه السيطرة ليس مجرد تحليل سياسي، بل هو واقع مرير يعيشه المصريون يوميًا عبر شاشات التلفاز وأثير الإذاعة.

ولا يمكن اعتبار أن الإعلام في مصر يمتلك الحرية المطلوبة وهو في قبضة هذه الشركات الكبيرة التي تحتكر الحقيقة وتفرض خطًا معينًا من التفكير على الجماهير.

طارق نور: إعلان الصفقات المشبوهة والسمعة الملطخة

طارق نور، الذي لا يخفى عن أحد اسمه في عالم الدعاية والإعلانات، هو اليوم على رأس واحدة من أكبر شركات الإعلام في مصر، وهو أمر يثير دهشة الكثيرين.

فقد ارتبط اسم نور بالكثير من الفضائح والتهم التي تلاحقه منذ سنوات. ففي عام 1978 أسس وكالة “أمريكانا” الإعلانية، التي تحولت إلى واحدة من أبرز الوكالات الإعلانية في مصر، ولكن ما خفي في تلك السنوات من أسرار لا يزال يثير تساؤلات كبيرة حول نزاهته.

في عام 2012، كان طارق نور مسؤولًا عن الحملة الانتخابية للفريق أحمد شفيق في الانتخابات الرئاسية، وهي الحملة التي أثارت الكثير من الجدل حول طرق تمويلها وتوجيه رسائلها الإعلامية.

ولكن هناك ما هو أخطر من مجرد تاريخه السياسي، وهو ما يتعلق بممارساته المالية التي تم ربطها بعشرات القضايا التي شهدت تدخلات قضائية واضحة.

الفساد والتلاعب بالأراضي: الفساد الذي لا يتوقف

الفضائح المتعلقة بطي صفحة طارق نور لم تتوقف عند حد السياسة والإعلانات، بل امتدت لتشمل قضايا فساد ضخمة تم فيها التلاعب بالأراضي.

ففي عام 2018، تم الكشف عن أحكام قضائية أدانت نور في قضايا فساد تتعلق بالاستيلاء على أراضٍ تخص الدولة. المحكمة الإدارية العليا قضت بإعادة 405 أفدنة إلى الدولة كانت قد تم الاستيلاء عليها من قبل شركة “ديزرت ليكس”، التي يمتلكها نور. وفي خطوة أكثر إثارة، تنازل نور عن 271 فدانًا لصالح رجال أعمال آخرين في عملية مشبوهة كان الهدف منها تهريب أراضٍ لمصالح خاصة على حساب الدولة. هذه الوقائع لا تترك مجالًا للشك في حقيقة أن طارق نور قد استخدم نفوذه الإعلامي والمالي لتحقيق مصالحه الشخصية.

تجارة الإعلام: فضائح تخدم النظام على حساب المواطنين

في إطار ممارساته الإعلامية، تظهر صورة أخرى أكثر تعقيدًا لطارق نور. ففي عام 2019، انتشرت أخبار تتعلق بتورطه في تمرير برامج إعلامية تسيء إلى سمعة مصر، بل تسيء إلى الأسر المصرية نفسها.

وعندما حاولت صحيفة “اليوم السابع” نشر خبر عن هذا التورط، تم حذف المقال بشكل مفاجئ، وهو ما يثير شكوكًا كبيرة حول الضغوط التي مورست على الصحافة لتغطية هذه الحقائق.

كما تم سحب مقال آخر من صحيفة “الوطن” كان قد انتقد نور بشدة في عام 2015، ما يعكس حجم الضغوط التي قد يتعرض لها الإعلاميون والصحفيون الذين يجرؤون على نشر الحقائق عن طارق نور وغيره من الشخصيات المتنفذة.

إعلام مرتهن: هل سيظل الإعلام المصري في قبضة الفساد؟

التعيين الأخير لطارق نور في هذا المنصب الحيوي في الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية ليس سوى علامة أخرى على أن الإعلام في مصر لا يزال تحت سيطرة عدد قليل من الأفراد الذين لا يهمهم سوى مصالحهم الخاصة، دون النظر إلى المصلحة العامة أو إلى الحقيقة.

هؤلاء الأفراد يشكلون شبكة معقدة من المصالح التي تمس كل جوانب الحياة الإعلامية في مصر، من توجيه الرأي العام إلى التأثير على القضايا الوطنية الكبرى.

هل سنظل في مصر محكومين بهذا النوع من الإعلام الذي يتم توجيهه لصالح فئة معينة من الأشخاص والجهات؟ هل سيظل الإعلام المصري أداة في يد أولئك الذين يتحكمون فيه لتلميع صورهم وحماية مصالحهم؟ هذه الأسئلة تظل تلاحق كل من يحاول أن يرى ضوءًا في نهاية النفق الإعلامي المظلم.

الانقسام الكبير في الرأي العام: من يوافق ومن يعارض

الخطوة التي أقدمت عليها الشركة المتحدة بتعيين طارق نور رئيساً لمجلس إدارتها أثارت ردود فعل متباينة في الشارع الإعلامي بين من يراها خطوة استراتيجية لتطوير الإعلام المصري ومن يعتبرها كارثة جديدة تؤكد على استمرار التحكم في الإعلام لصالح أجندات بعيدة عن مصالح المواطن المصري وحريته في تلقي المعلومة بشكل موضوعي وأمين

وما بين مؤيد ومعارض يبقى السؤال: هل سيظل الإعلام في مصر رهنًا لأصحاب المصالح الشخصية أم أن هناك أملًا في إصلاح حقيقي بعيدًا عن هذه الأسماء المثيرة للجدل التي ارتبطت بالفساد والتلاعب

هل الإعلام في مصر سينقض؟

إن تعيين طارق نور في هذا المنصب ما هو إلا إعلان رسمي عن استمرارية الهيمنة الإعلامية التي لا تعكس حرية الصحافة في مصر

فالإعلام الذي يهيمن عليه شخصيات مثيرة للجدل وفضائح فساد مستمرة لا يمكن أن يكون أداة فعّالة لنقل الحقيقة بل أداة أخرى لخدمة مصالح النظام

فهل ستظل مصر تحت سطوة هذه الأسماء الملوثة؟ أم أن هناك أملًا في إعلام جديد يعيد للشعب المصري حقه في المعرفة الحقيقية بعيدًا عن المصالح والتلاعب

أفق مظلم للإعلام المصري تحت الهيمنة القديمة

ما يحدث الآن في الإعلام المصري ليس مجرد تغيير في القيادة، بل هو تأكيد آخر على استمرار السيطرة على الإعلام من قبل شخصيات مشبوهة ونظام لا يزال يواصل إحكام قبضته على الحقيقة.

تعيين طارق نور هو بمثابة ضربة قاصمة لأي أمل في إصلاح الإعلام المصري. فهل سيظل هذا الإعلام رهينة للمصالح الخاصة، أم أن هناك أملًا في تحريره ليكون صوتًا للشعب والمواطن المصري؟

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى