تتوالى الفضائح في الشركة القابضة لكهرباء مصر، وسط غياب تام للمحاسبة من قبل وزارة الكهرباء والحكومة المصرية.
يُظهر هذا التقرير الفضيحة الكبرى التي تفجرت في الآونة الأخيرة، والتي كشفت عن فساد مالي وإداري مستفحل داخل قطاع الكهرباء، بما في ذلك تلاعب في الحسابات التجارية وتحميل كبار المشتركين والجهات الحكومية مديونيات غير مستحقة.
هذا الفساد المنهجي يتم بإشراف مسؤولين كبار في الشركة القابضة والشركات التابعة لها، الذين يواصلون أعمالهم دون عقاب يُذكر، في ظل تواطؤ صريح من قبل الوزارة.
فساد قطاع الكهرباء: التلاعب بالمديونيات والقرارات المشبوهة
بدأت الفضيحة الأخيرة تتكشف عندما تزايدت الشكاوى حول التلاعب في الحسابات الإجمالية وتحميل كبار المشتركين، ومنهم جهات حكومية، مديونيات غير مستحقة في شركة شمال القاهرة لتوزيع الكهرباء.
هذه المخالفات الجسيمة، التي تفوق حتى تلك التي شهدتها شركة جنوب القاهرة لتوزيع الكهرباء، أثارت دهشة المراقبين، خاصة بعد قرار المهندس جابر الدسوقي، رئيس الشركة القابضة لكهرباء مصر، بترقية عزت إبراهيم، رئيس قطاعات الشؤون التجارية بشركة شمال القاهرة لتوزيع الكهرباء، إلى عضو في مجلس إدارة شركة البحيرة لتوزيع الكهرباء.
بدلاً من محاسبته على دوره في التلاعب والفساد، تم تكريمه ومنحه سلطة أكبر، مما يثير تساؤلات خطيرة حول نزاهة الإدارة العليا في الشركة القابضة.
الأسئلة التي لا تجد إجابة
لماذا لم يتم تحويل هذه القضية إلى النيابة العامة؟ وأين هو دور وزير الكهرباء محمد شاكر؟ لماذا لم يتحرك الوزير حتى الآن بالرغم من ظهور فساد بهذا الحجم؟
الأدهى أن لجان التحقيق بالشركة القابضة، التي يفترض أنها مكلفة بمكافحة الفساد، لا تفعل شيئًا سوى التستر على المسؤولين المتورطين، وتقديم قرارات شكلية لا تهدف إلا لحفظ ماء الوجه.
المستشار الذي يترأس هذه اللجان، والذي يعمل تحت إشراف جابر الدسوقي، يقود تحقيقات غير فعالة لا تهدف إلى استعادة المال العام ولا محاسبة الفاسدين.
فضائح المخدرات في قطاع الكهرباء
ولا يتوقف الفساد عند المديونيات، بل يمتد ليشمل فضائح أخرى مثل تعاطي المخدرات داخل أروقة شركة شمال القاهرة لتوزيع الكهرباء.
فقد أظهرت نتائج حملة عشوائية أجرتها حملة صندوق مكافحة المخدرات على موظفي الشركة، أن ثلاثة موظفين في مناصب حساسة داخل الشركة يتعاطون المخدرات، بينهم محامٍ في الشؤون القانونية وموظف في قطاع الموارد البشرية وآخر يعمل بمكتب رئيس الشركة.
هذه الفضيحة تأتي رغم نصوص القانون رقم 177 الذي ينص بوضوح على إنهاء خدمة الموظف الذي يثبت تعاطيه للمخدرات. ولكن، المفارقة الكبرى تكمن في أن الإدارات الطبية التابعة للشركة القابضة لا تجري هذه التحاليل بانتظام على العاملين، مما يسمح بتفشي الإدمان بين الموظفين دون رقابة.
والأكثر إثارة للدهشة أن هناك تقارير تفيد بأن قيادات بارزة في شركات الكهرباء نفسها تتعاطى المخدرات، ومع ذلك لا تُطبق عليهم أي إجراءات تأديبية. فالقانون يُطبق بانتقائية، وهو ما يفتح الباب لمزيد من الفساد.
وقد تم تقديم مذكرات إلى المهندس جابر الدسوقي بخصوص هذه القضية، لكنه لم يحرك ساكنًا خوفًا من إثارة غضب هؤلاء المسؤولين الفاسدين.
إهدار المال العام في شركة كهرباء القناة
ولم يكن الفساد مقتصرًا على قطاع الشؤون التجارية فحسب، بل امتد ليشمل إهدار المال العام بشكل فج في شركة كهرباء القناة.
فقد تم إهدار 17 مليون جنيه شهريًّا على أجور عمالة عارضة غير ضرورية، تم التعاقد عليها من خلال شركة ظل الجنوب، وهي شركة خاصة تم التعاقد معها بناءً على موافقة لجنة البت العليا في الشركة بتاريخ 25 فبراير 2023، في المناقصة المحدودة رقم 1/2022/2023.
والمثير في الأمر هو عدم وجود معلومات واضحة حول كيفية إدارة هذه المناقصة أو الأسباب التي دفعت إلى التعاقد مع هذه الشركة بعينها.
تبدأ القصة بمطالبة شركة ظل الجنوب شركة كهرباء القناة بمبلغ 17 مليون جنيه عن شهر يونيو 2023، وهو ما أثار تساؤلات حول شرعية هذه المدفوعات، خاصة أن المبلغ الضخم مقسم على شيكين: شيك بقيمة 7.663.955.5 جنيه من بنك ABC، وشيك آخر بمبلغ 10 ملايين جنيه من البنك العربي الأفريقي.
لماذا يتم التعامل مع بنوك خاصة بدلًا من بنوك الدولة؟ ولماذا يتم صرف هذه المبالغ الضخمة دون أي تبرير واضح؟
فساد سامي أبو وردة وماضيه المشبوه
التحقيقات كشفت عن ارتباط وثيق بين سامي أبو وردة، رئيس شركة كهرباء القناة، وشركة ظل الجنوب، إذ يعود الفساد إلى أيامه في شركة مصر العليا لتوزيع الكهرباء، حيث قام بتوقيع عقود مع شركة أخرى لتوريد العمالة العارضة، والتي كان يمثلها محمود حسين الدرديري، ومقرها في أسوان.
لا توجد معلومات واضحة حول العلاقة بين هذه الشركة وشركة ظل الجنوب، ولكن القاسم المشترك بين كل هذه العمليات هو تورط سامي أبو وردة في إهدار المال العام من خلال تعاقدات مشبوهة لتوظيف عمالة عارضة لا حاجة لها.
الأسئلة التي يجب الإجابة عليها
كيف يتم تعيين 3000 عامل عارض شهريًا في شركة كهرباء القناة؟ وما هي الأعمال التي يقومون بها؟ ولماذا يتم استخدام هذا الكم الهائل من العمالة في وقت تعاني فيه الدولة من أزمة اقتصادية خانقة؟
وهل تم عرض هذه التجاوزات على لجان التفتيش التابعة للشركة القابضة لكهرباء مصر؟ هذه الأسئلة يجب أن تجد إجابات فورية، لكن لا يبدو أن هناك نية حقيقية لمحاسبة المسؤولين.
بل يتم تقديم بعض الموظفين الصغار ككبش فداء، مثلما حدث مع رئيس قسم الأمن بقطاع كهرباء قنا الذي تم فصله بزعم تورطه في قضية عمالة وهمية بقيمة 593 ألف جنيه.
فساد السيارات الفارهة لرؤساء الشركات
ولا تتوقف الفضائح عند هذا الحد، فالأموال الطائلة التي تُنفق على السيارات الفارهة لرؤساء الشركات التابعة للشركة القابضة لكهرباء مصر تمثل جريمة أخرى ضد المال العام.
كل رئيس شركة يمتلك أسطولًا من السيارات الحديثة، بعضها مؤجر من شركات خاصة بمئات الآلاف من الجنيهات شهريًا. في المقابل، تُخصص سيارات متهالكة لفرق الصيانة والعاملين في المواقع، وهي سيارات لا تصلح للاستخدام الآدمي.
الأزمات المالية وتجاهل التحديث
في ظل هذه الأزمات المالية التي تعصف بالبلاد، من غير المعقول أن تستمر المهام الوظيفية داخل شركات الكهرباء دون تحديث منذ عشرين عامًا. الأوامر الوظيفية في محطات الإنتاج لا تتعدى تجهيز الخوذات والأحذية الخاصة بالعمال، دون أي تطوير في إجراءات السلامة والصحة المهنية.
وفي الوقت نفسه، لا يوجد رئيس قطاع حاصل على شهادات دولية في السلامة مثل NEBOSH IGC أو NFPA أو NASP، مما يعكس حالة من الإهمال المتعمد التي تعاني منها هذه الشركات.
غياب المحاسبة والتخطيط الفاشل
إذا كان التخطيط للمستقبل، كما يبشرنا رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، يتطلب سنوات عجاف قادمة حتى عام 2030، فإن هذا يستدعي الصمت من المسؤولين السياسيين والبرلمانيين إذا كانوا غير قادرين على محاسبة الفاسدين.
المسؤولية تقع على عاتق الجميع، ولا يمكن لمصر أن تتقدم في ظل هذا الفساد الممنهج الذي يستشري في القطاعات الحيوية مثل قطاع الكهرباء.
إذا استمر الوضع كما هو عليه، فإن مليارات الجنيهات التي تخصصها الدولة لهذا القطاع ستذهب هباءً، ولن يتم تحقيق أي تقدم حقيقي.
المحاسبة هي المفتاح، ومحاسبة الفاسدين وتطهير الشركة القابضة لكهرباء مصر والشركات التابعة لها من كل مسؤول لا يحمل شرف المسؤولية هي الحل الوحيد لإنقاذ هذا القطاع من الانهيار التام.
غياب المحاسبة واستمرار الفساد
على الحكومة المصرية ووزارة الكهرباء أن تتحمل مسؤوليتها في مواجهة هذا الفساد المتفشي. الشعب المصري لن يظل صامتًا إلى الأبد، والفساد الذي استمر لسنوات طويلة يجب أن يتوقف.
لا يمكن لمصر أن تتقدم في ظل هذا التراخي والإهمال، وعلى الجميع أن يدركوا أن الوقت قد حان لاتخاذ قرارات جريئة وحازمة لإنقاذ قطاع الكهرباء وإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح.