بحسب تقارير إعلامية ووكالة “رويترز”، فإن مصر رفعت أسعار الكهرباء بنسبة تصل إلى 50% ضمن اتفاقها مع صندوق النقد الدولي، وهو جزء من التزام البلاد بتقليص دعم الطاقة.
تم تطبيق هذه الزيادات على مختلف أنواع العدادات، سواء مسبقة الدفع أو العادية، حيث تراوحت الزيادات بين 14.45% و50%.
ومع استمرار هذه الزيادات، تعاني المصانع الكبرى من تأثير مباشر على تكاليف الإنتاج، مما قد يهدد بعضها بالإغلاق أو تقليص الإنتاج بشكل كبير.
زيادة سنوية منذ 2010
بدأت مصر منذ عام 2010 في رفع أسعار الكهرباء بشكل تدريجي، حيث كانت الخطة تقضي بزيادة الأسعار بنسبة 5% سنويًا. ولكن تلك الخطة تأثرت بالاضطرابات السياسية التي شهدتها البلاد بعد ثورة يناير 2011.
ومع بدء استقرار الأوضاع نسبيًا، وتحديدًا بعد تعويم الجنيه المصري في عام 2016، تسارعت وتيرة زيادة أسعار الكهرباء، حيث شملت الزيادات كل شرائح الاستهلاك سواء كانت منزلية أو صناعية، وسط تأكيدات من الحكومة بأن الأسعار ما زالت أقل من تكلفة إنتاج الكهرباء.
تراجع كبير في دعم الكهرباء
شهد دعم الكهرباء في مصر تراجعًا كبيرًا خلال السنوات العشر الأخيرة. وفقًا لبيانات وزارة المالية، بلغ دعم الكهرباء في موازنة العام المالي 2024-2025 حوالي 2.5 مليار جنيه (51 مليون دولار)، مقارنة بـ 23.60 مليار جنيه (480 مليون دولار) في موازنة 2014-2015.
في الواقع، كان الدعم المقدم للكهرباء قد بلغ ذروته في موازنة 2017-2018، حيث وصل إلى 28.585 مليار جنيه (590 مليون دولار)، قبل أن يتراجع تدريجيًا مع تبني الحكومة لسياسات تهدف إلى تخفيف الضغط على موازنة الدولة.
تأثير على الصناعة الثقيلة
تواجه الصناعات الكبرى في مصر، وخاصة تلك التي تعتمد بشكل كبير على استهلاك الطاقة مثل صناعة الألمونيوم والإسمنت والحديد، تحديات كبيرة بسبب الزيادات المتكررة في أسعار الكهرباء.
ويشكل قطاع الصناعة حوالي 30% من إجمالي استهلاك الكهرباء في مصر، ما يعني أن أي زيادة في أسعار الكهرباء تنعكس بشكل مباشر على تكاليف الإنتاج.
على سبيل المثال، كشفت دراسات فنية لشركة “مصر للألمونيوم” أن زيادة قرش واحد في تعرفة الكهرباء يرفع قيمة فاتورة استهلاك الشركة بنحو 50 مليون جنيه سنويًا. الشركة، التي تعد واحدة من أكبر شركات إنتاج الألمونيوم في البلاد، تواجه الآن خسائر سنوية تقدر بنحو 1.5 مليار جنيه بسبب الزيادات المتتالية في أسعار الكهرباء.
دفع هذا الشركة إلى التفاوض مع شركة أوروبية لإنشاء محطة توليد كهرباء خاصة بها، بقدرة تصل إلى 1000 ميجاوات، لتخفيف الأعباء المالية.
تهديد بإغلاق الشركات
لا تقتصر الأزمة على “مصر للألمونيوم” وحدها. العديد من الشركات الصناعية الكبرى، بما في ذلك مصانع الإسمنت، تتجه نحو تقليص الإنتاج بسبب ارتفاع تكاليف الكهرباء وانخفاض الطلب في السوق المحلية.
ارتفاع التكاليف يضع الشركات في منافسة غير عادلة مع المنتجات المستوردة من الخارج، خاصة من الصين والولايات المتحدة، مما يهدد بإغلاق العديد من المصانع وتسريح آلاف العمال.
الفجوة بين الأثرياء والمواطنين
في الوقت الذي تعاني فيه الطبقات المتوسطة والفقيرة من أعباء الزيادات المستمرة في أسعار الخدمات الأساسية، تقوم الحكومة المصرية بدعم مشاريع ضخمة لصالح النخب ورجال الأعمال.
من بين هذه المشاريع، المشروع العقاري “ساوث ميد” الذي تبلغ تكلفته 21 مليار دولار، ويهدف إلى تحويل الساحل الشمالي إلى وجهة سياحية عالمية.
هذا المشروع، الذي يضم آلاف الوحدات السكنية والفندقية ومارينا دولية ضخمة، يطرح تساؤلات حول الفجوة الكبيرة بين سياسات الحكومة تجاه المواطنين البسطاء وأصحاب النفوذ.
تأثيرات تعويم الجنيه
بدأت آثار تعويم الجنيه المصري في عام 2016 تظهر بوضوح على الاقتصاد المصري، خاصة في قطاعات الطاقة والغذاء. ارتفع الدولار بشكل كبير، مما أدى إلى ارتفاع تكلفة استيراد الوقود والمواد الخام، وهو ما انعكس بشكل مباشر على أسعار الكهرباء.
وفقًا لتقارير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، زادت أسعار الكهرباء بنسبة تصل إلى 160% بين عامي 2012 و2016، وهو ما جعل الفقراء ومتوسطي الدخل يتحملون عبئًا كبيرًا من جراء تلك الزيادات.
وفي تقرير لاحق عام 2017، أشارت المبادرة إلى أن الحكومة استمرت في زيادة أسعار الكهرباء للسنة السادسة على التوالي، مما أدى إلى رفع نسبة الإنفاق على فواتير الكهرباء بالنسبة للأسر الفقيرة ومتوسطة الدخل إلى أكثر من 4.5% من إجمالي إنفاقها.
ارتفاع معدلات الفقر
تعاني مصر من ارتفاع ملحوظ في معدلات الفقر منذ أكثر من عقد. ووفقًا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، سجلت معدلات الفقر في البلاد أعلى مستوياتها في 20 عامًا خلال العام المالي 2017-2018، حيث وصلت إلى 32.5% من إجمالي السكان.
ومع تراجع الدعم الحكومي للكهرباء والوقود، يبدو أن هذه النسبة مرشحة للزيادة في السنوات المقبلة، خاصة في ظل استمرار ارتفاع تكاليف المعيشة.
اشتراطات صندوق النقد الدولي
تأتي زيادات الأسعار كجزء من برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تنفذه مصر بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، والذي بدأ في عام 2016.
يركز هذا البرنامج على تقليص الدعم الحكومي على الطاقة والخدمات الأساسية، وإعادة توجيهه إلى القطاعات الأكثر حاجة، مثل التعليم والصحة.
وتعتبر مراجعة الصندوق لبرنامج الإصلاح الاقتصادي في مصر أحد العوامل الرئيسية التي تدفع الحكومة إلى تسريع وتيرة رفع الأسعار.
وبحسب مصدر برلماني، فإن صرف شريحة جديدة من قرض صندوق النقد مرهون بالتزام الحكومة بتحرير أسعار الوقود والكهرباء تدريجيًا.
الحلول المطروحة
على الرغم من الأعباء المتزايدة على المواطنين والصناعة، ترى الحكومة المصرية أن هناك حاجة ماسة إلى هذه الإصلاحات من أجل تحقيق الاستقرار الاقتصادي على المدى الطويل.
ومع ذلك، يطالب مراقبون الحكومة باتخاذ خطوات أكثر شفافية وعدالة في توزيع الأعباء، بحيث لا يتحمل الفقراء وحدهم تلك الزيادات.
أحد الحلول المقترحة هو الاستثمار في الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية والرياح، والتي يمكن أن توفر بدائل أقل تكلفة على المدى الطويل.
كما يمكن للحكومة تبني سياسات تدعم الصناعات الحيوية وتساعدها على تحمل تكاليف الطاقة، وذلك من خلال تقديم إعفاءات أو دعم مؤقت للمصانع الكبرى.
بينما تسعى الحكومة المصرية لتلبية اشتراطات صندوق النقد الدولي، يظل السؤال الكبير هو: كيف يمكن تحقيق التوازن بين تلبية تلك الاشتراطات والحفاظ على مستوى معيشة مقبول للمواطنين؟
إذا استمرت السياسات الحالية في رفع الأسعار دون تقديم حلول حقيقية للمشاكل التي تواجه الطبقات المتوسطة والفقيرة، فقد يكون لذلك عواقب وخيمة على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في البلاد.