تواصل الأجهزة الرقابية في مصر تحقيقاتها حول فضائح قطاع البترول التي طالت كبار المسؤولين، حيث أكدت مصادر مطلعة أن هناك تزايداً ملحوظاً في الأنشطة المشبوهة داخل هذا القطاع الحيوي.
ويشمل ذلك مستشارين يتقاضون رواتب هائلة، فضلاً عن صفقات مشبوهة تم تنفيذها لصالح شركات أجنبية، وهو ما يثير الشكوك حول وجود تواطؤ من جانب المسؤولين في الوزارة، وعلى رأسهم وزير البترول.
فضيحة الوزير وقرار إعفاء شركة أجنبية من سداد مليار دولار
أثارت قضية إعفاء شركة بترول أجنبية من سداد مستحقات تصل إلى مليار دولار ضجة واسعة داخل الأوساط الاقتصادية والسياسية في مصر.
حيث تشير التقارير إلى أن الوزير قد وقع اتفاقاً مع شركة “APA-sinopec JV”، الذي شمل دمج امتيازات شركتي “خالدة” و”قارون” في عقد واحد يمتد لعشرين عاماً، وهو ما أسفر عن إلغاء ديون مستحقة على الشركة الأجنبية لصالح خزينة الدولة المصرية.
هذا القرار، الذي يفتقر إلى الرؤية الواضحة ويثير العديد من التساؤلات، جعل كثيرين يتساءلون عن السبب وراء هذه التسهيلات التي تضر بمصلحة الوطن.
وفقاً لمصادر مطلعة، يشمل الاتفاق بين وزير البترول والشركة الأجنبية امتيازاً جديداً باسترداد تكاليف بلغت قيمتها 900 مليون دولار خلال خمس سنوات، وهو ما وصفه البعض بأنه “خيانة” لمصالح الدولة في وقت عصيب تعاني فيه مصر من أزمات اقتصادية حادة.
ولا يخفى على أحد أن هذه الإجراءات قد تم تنفيذها رغم وجود أصوات تحذر من هذه القرارات التي تُعتبر إهداراً للمال العام.
المستشارون: 400 مستشار يتقاضون 40 مليون جنيه شهرياً
في فحص آخر للأوضاع داخل قطاع البترول، تم الكشف عن أن ما يقرب من 400 مستشار في شركات قطاع البترول يتقاضون رواتب تصل إلى 40 مليون جنيه شهرياً، بواقع 100 ألف جنيه شهرياً لكل مستشار.
هذا الرقم يعكس حجم الفساد في هذا القطاع، حيث تتركز الأموال في يد فئة محدودة من المسؤولين دون أي اعتبار للأوضاع الاقتصادية التي تمر بها البلاد.
من بين هذه الشركات التي تصرف أموالاً طائلة للمستشارين توجد “إنبي” و”بتروجيت” و”ميدور” و”جاسكو”، حيث يتم صرف الحوافز والبدلات للمستشارين بمبالغ تصل إلى 100 ألف جنيه سنوياً، بالإضافة إلى البدلات الأخرى مثل بدل السفر وحضور اجتماعات مجالس الإدارات.
تجدر الإشارة إلى أن معظم هؤلاء المستشارين جاءوا من مناصب عليا في الدولة، وحين تقاعدوا تم انتدابهم للعمل في هذه الشركات مقابل مبالغ ضخمة لا تتناسب مع حجم عملهم الفعلي.
يعتبر قطاع البترول أحد القطاعات التي تشهد فيها رواتب المسؤولين والمستشارين أرقاماً ضخمة مقارنة ببقية القطاعات الحكومية، وهذا يظهر جلياً من خلال تقارير الراتب التي تكشف عن مبالغ تفوق توقعات الكثير من العاملين في هذا القطاع.
وفي الوقت الذي تتراكم فيه المستحقات على شركات البترول الأجنبية، يتم تسريب هذه الأموال عبر الصفقات الفاسدة التي تصب في صالح كبار المسؤولين وأصدقائهم من المستثمرين الأجانب.
فساد عقود شركة “أباتشي” وتجاوزات مالية خطيرة
تعد شركة “أباتشي” أحد أبرز الأمثلة على الفساد في قطاع البترول، حيث رصدت الرقابة الإدارية عدداً من التجاوزات في عقود الشركة مع الدولة، وهو ما أدى إلى إهدار 900 مليون دولار كانت ستدخل إلى خزينة الدولة.
هذه الفضيحة تبرز في وقت تمر فيه مصر بأزمة اقتصادية خانقة، ويعزز ذلك فكرة أن هناك تواطؤاً بين بعض المسؤولين في الوزارة والشركات الأجنبية، ما أضعف موقف الحكومة في الحفاظ على حقوق الدولة.
يأتي هذا في وقت حساس تعاني فيه مصر من أزمات اقتصادية متلاحقة، حيث يلاحظ المتابعون أن هذه الصفقات الفاسدة لم تكن لتحدث لولا وجود مجموعة من القيادات المتنفذة التي تتولى مسؤوليات غير مشروعة داخل الوزارة.
تفشي الفساد: من المستشارين إلى رؤساء الشركات
كشف تقرير آخر عن حجم الرواتب والبدلات التي يتقاضاها كبار المسؤولين في شركات قطاع البترول، والتي لا تتناسب مع حجم الإنتاج أو الربح الذي تحققه هذه الشركات. فبينما تعاني بعض الشركات من خسائر كبيرة، مثل شركات “موبكو” و”سوميد”، تستمر الرواتب المرتفعة للمسؤولين فيها بالزيادة.
رؤساء شركات البترول الكبرى مثل “سوميد” و”ميدتاب” و”ميدور” يتقاضون رواتب تصل إلى 300 ألف جنيه شهرياً، وهو ما يعكس الفجوة الكبيرة بين الرواتب في هذا القطاع وغيره من القطاعات الحكومية. في حين أن رؤساء الشركات القابضة مثل “البتروكيماويات” و”إيجاس” يحصلون على رواتب تتراوح بين 80 إلى 100 ألف جنيه شهرياً، بالإضافة إلى مكافآت وحوافز يتم احتسابها بالدولار في بعض الأحيان.
أزمة مستحقات الشركات الأجنبية وارتفاع أسعار المواد البترولية
من ناحية أخرى، تظل أزمة مستحقات شركات النفط الأجنبية لدى وزارة البترول المصرية قائماً، حيث تشير التقارير إلى أن هذه المستحقات تبلغ أربعة مليارات دولار، بعد أن سجلت مستوى قياسياً وصل إلى 6.6 مليار دولار في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية عام 2022. رغم الخسائر التي تعرضت لها هذه الشركات، إلا أنها تواصل الحصول على الأرباح والرواتب الضخمة، وهو ما يزيد من معاناة المواطنين بسبب ارتفاع أسعار المواد البترولية.
ومن المعروف أن شركات مثل “إيني” الإيطالية و”شل” الهولندية و”أباتشي” الأمريكية تستحوذ على حصص كبيرة في شركات البترول المصرية، مما يضمن لها أرباحاً ضخمة من خلال العقود المتفق عليها مع الحكومة المصرية. ولا يبدو أن هناك إرادة حقيقية لتغيير هذا الوضع، حيث تستمر الأوضاع كما هي دون أي محاسبة حقيقية للمسؤولين.
فساد مستشري وغياب المحاسبة
إجمالاً، يعكس هذا الوضع المتدهور في قطاع البترول في مصر حالة من الفساد المستشري والتجاوزات المالية التي طالت كبار المسؤولين في الوزارة وشركات البترول، في وقت تعاني فيه البلاد من أزمة اقتصادية خانقة.
وبالرغم من الدعوات المتكررة لمحاربة الفساد، فإن ما يحدث في القطاع يشير إلى أن هناك تقاعساً كبيراً من قبل الأجهزة الرقابية في اتخاذ إجراءات حاسمة ضد هؤلاء الفاسدين.
ومع استمرار فضائح الفساد في هذا القطاع، يبقى الأمل في أن تقوم الأجهزة الرقابية بالتصدي لهذه التجاوزات المالية، والبحث عن حلول جذرية لهذه الأزمات التي تهدد الاقتصاد المصري.