من هو “سهيل الحسن” سفاح سوريا وصاحب فكرة البراميل المتفجرة؟
الحديث عن سوريا اليوم لا يمكن أن يبدأ من اللحظة الحالية فقط؛ فالأحداث الراهنة تتشابك مع جذور مأساة بدأت منذ 2011. الثورة التي أشعلت شرارتها مطالب شعب بسيط بالكرامة والحرية، سرعان ما تحولت إلى حرب ضروس رسمت فصولها براميل متفجرة، قضت على كل أمل، ولم تترك سوى رماد المدن وأشلاء الأحلام.
في قلب هذا الدمار، برز اسم سهيل الحسن، الرجل الذي لم يكن مجرد جنرال عادي في جيش النظام السوري، بل العقل المدبر لواحدة من أكثر استراتيجيات الحروب وحشية. الحسن، الذي يلقب بـ”النمر”، صنع مجده من رماد المدن وسفك الدماء، ليتحول إلى رمز لحرب لم ترحم حتى الحجر.
في قرية صغيرة بريف اللاذقية، وُلد سهيل الحسن. طفولة عادية في منطقة ريفية هادئة، لم تشر إلى أن هذا الطفل سيصبح لاحقًا أحد أكثر الشخصيات إثارة للجدل في تاريخ سوريا الحديث. التحق الحسن بالقوات الجوية السورية، حيث بدأ مشواره في المخابرات الجوية، القطاع الذي يُعرف بشراسته وانعدام الرحمة. كانت سنواته الأولى في العمل العسكري هادئة نسبيًا، لكن الثورة السورية في 2011 كانت نقطة التحول الكبرى.
في خضم الفوضى، وجد الحسن طريقه إلى دائرة الضوء. أسس “قوات النمر”، ميليشيا خاصة تتبع أوامره مباشرة. وظيفتها؟ القضاء على المعارضة بأي وسيلة، مهما كانت وحشيتها. ومع مرور الوقت، تحول الحسن إلى وجه النظام الحديدي الذي لا يتردد في سحق أي مقاومة.
إذا ذُكر اسم سهيل الحسن، لا يمكن أن يتجاهل أحد البراميل المتفجرة، السلاح الذي صار مرادفًا لاسمه. هذه البراميل، التي كانت تُلقى من المروحيات على الأحياء السكنية، لم تكن مجرد أسلحة عشوائية، بل أداة إبادة. كانت مصنوعة بدقة لتُحدث أكبر قدر ممكن من الدمار والرعب. كان الهدف واضحًا: إجبار السكان على الهروب، وتفريغ المدن من أهلها، وترك المعارضة دون غطاء شعبي. الدمار الذي أحدثته البراميل كان لا يوصف. مدن كاملة تحولت إلى أنقاض، وأحياء اختفت من الوجود. لكن بالنسبة للحسن، كانت هذه البراميل مفتاح نجاح استراتيجيته في سحق المقاومة، وكسر إرادة كل من فكر في تحدي النظام.
في عام 2015، حين تدخلت روسيا عسكريًا لدعم النظام السوري، تحول سهيل الحسن إلى حليف استراتيجي للكرملين.
روسيا، التي كانت تبحث عن موطئ قدم في الشرق الأوسط، وجدت في الحسن شريكًا مثاليًا. بفضل دعمهما، تمكن “النمر” من تنفيذ عمليات عسكرية كبيرة، أبرزها استعادة السيطرة على حلب وإدلب.
الصور التي جمعته بالقادة الروس، وهو يتلقى منهم الأوسمة، لم تكن مجرد بروتوكول عسكري. بل كانت إشارة إلى أن الحسن أصبح الرجل الأول لروسيا في سوريا، المنفذ المخلص لاستراتيجيتها، حتى لو كان ذلك على حساب بلده وشعبه. الآن، وفي لحظة تاريخية مشحونة، عاد اسم سهيل الحسن إلى الواجهة. هذه المرة، ليس كقائد لا يُهزم، بل كهدف مباشر للمعارضة المسلحة.
مع تراجع سيطرة النظام السوري على عدة جبهات، وخاصة في شمال سوريا، قرر الحسن أن ينزل بنفسه إلى جبهة حماة. أراد أن يرسل رسالة واضحة بأن النمر لا يزال في الميدان. لكن المعارضة كانت تراقب. وفي لحظة محسوبة، استهدفته بطائرة مسيّرة. الإصابة لم تكن مميتة، لكنها كانت كافية لإحداث ضجة. صورة الحسن وهو مصاب بيده اليسرى انتشرت كالنار في الهشيم، لتحمل رسالة رمزية مفادها: “النمر يمكن أن يُجرح”.
الهجوم على الحسن كان له صدى واسع. النظام السوري حاول التقليل من أهمية الحادثة، معتبرًا أن الإصابة سطحية. لكن في الوقت نفسه، لم يستطع إخفاء حقيقة أن الحسن، أحد أهم رجالاته، بات هدفًا مكشوفًا. المعارضة احتفلت بهذا الإنجاز. اعتبرته نقطة تحول جديدة في معركتها ضد النظام. أما روسيا، فاكتفت بالصمت الرسمي، لكنها سارعت إلى تعزيز وجودها العسكري في جبهة حماة، وكأنها تُدرك أن “النمر” بات في خطر.
في كل مرة يُذكر فيها سهيل الحسن، تستعيد ذاكرة السوريين مشاهد الموت والدمار. البراميل المتفجرة التي صممها لتكون أداة قمع، أصبحت رمزًا لمرحلة سوداء في تاريخ سوريا. اليوم، يقف الحسن عند مفترق طرق. إصابته الأخيرة ليست مجرد حدث عابر، بل ربما تكون بداية النهاية لمسيرته العسكرية. مع ذلك، يظل هناك سؤال واحد يحير الجميع: هل يستطيع الحسن الاستمرار في لعب دوره كأحد أعمدة النظام؟ أم أن المعارضة ستنجح في تحويله إلى مجرد ذكرى قاتمة من الماضي؟
سهيل الحسن، الذي صنع مجده على أنقاض المدن السورية، يواجه اليوم واقعًا مختلفًا. المعارضة التي طاردته طوال سنوات الحرب، تبدو أقرب من أي وقت مضى إلى تحقيق هدفها. لكن سوريا نفسها، بجراحها العميقة وآلام شعبها، هي التي ستحدد مستقبل الحسن. فهل ستطوي صفحات “النمر” إلى الأبد؟ أم أن هذا الجرح سيبقى مفتوحًا، يذكّر الجميع بحجم المأساة التي عاشتها سوريا؟