ذاكرتي عمل تركيبي بانورامي،بناء سيمفوني،مكون من ملايين الأشياء، بدءًا من مكاتيب السجن والحب، والأوراق القديمة، إلى مصحف أمي، والزمن المحفور على جبين أبي،والجرح الساكن في جبين ابني
منذ٤٣ عاما كنت رئيسا لاتحاد طلاب الجمهورية للمدارس الثانوية والفنية ودور المعلمين والمعلمات
في مطلع سبتمبر 1981، وقفت مصر شاهدة على واحدة من أعنف حملات الاعتقالات السياسية (بمقاييس هذا الزمن الجميل)والتي اجتاحت البلاد، حيث امتدت يد الاعتقال لتطال قرابة 1600 شخصية من مختلف الأطياف،(سياسيين إعلاميين قيادات طلابية وكان هذا اليوم نذير شؤم، ينبئ بنهاية عصر السادات، ويترك في ذاكرة الوطن جرحًا لا يندمل، وألمًا لا ينسى.
ويبدو ان الذين يولدون في العواصف، لا تهزهم الرياح،
ورغم تعاقب موجات الظلم و ألألم ، لم أفقد يومًا إيماني بوطني، رغم الخناجر التي تغرس في ظهري كل يوم! في حريتي ومنفاي وسجني ¡¡
منذ ٤٥ عاما -أو يزيد-دخلت حديقة الحياه العامه وكنت أؤمن ان من يدخل الغابة لا يخشى حفيف الأشجار ¡¡
في اربع عقود،خضت عشرات المرات الانتخابات
طلابية
حزبية
برلمانية
والرئاسية
دخلت المعتقلات خمس مرات
عندما خضت اول انتخابات رئاسية قبل عشرين عامًا، وأنا أعلم علم اليقين،أن الطريق طويل وشاق.
قرابة عقدين من الزمان منذ هذه الانتخابات التي تمت في السابع من مثل هذا الشهر (سبتمبر)٢٠٠٥
ورغم مرور كل هذه السنوات لكن الله ما زال يمتحن صبري!
ما عشته في هذه الأعوام من الأهوال
ما يكفي لألف عام، من الأحداث التي يمكن لواحدة منها أن تكفي لتجعل الحياة قاسية.
لا أعرف كيف يُحسب عمر الإنسان. هل يُقاس بعدد الأيام التي عاشها في سعادة وهناء؟
أم بحجم الأهوال والخيانات التي واجهها؟
هل بعدد الأحلام التي حققها، أم بعدد تلك التي تحولت إلى كوابيس؟
أشعر أن عمري الآن يقارب •••ألف عام
في سجني الخامس والأخير، والذي استمر خمسة أعوام، كانت أيامي مظلمة، لكني لم أسمح لليل أن يهزم روحي. قاومت شقاءها ولم أستسلم للحزن أو الألم، بل وجدت في الصبر قوة لم أكن أعلم أني أمتلكها.
حين كان السجن محنتي، كانت منحة الله لي هي أن أجعل من سجاني نفسه أسيرًا ،ورجع
صدي ،لصوتي، الذي لم يخفت يومًا، وقلمي، الذي لم يتوقف -لا في سجني الإجباري ولا في سجني الاختياري ( منفاي ).
لطالما كنت على يقين بأنني أكبر من هؤلاء الذين آذوني، وأقوى من الذين ظلموني.
كل ضربة تلقيتها زادت من صلابتي، وكل طعنة وجهت إليّ عمقت إيماني بقدرتي على الصمود.
عندما تم اعتقالي من البرلمان في 29 يناير 2005، تصوروا ، أنهم كتبوا شهادة وفاتي وأنا حي.
لكن ذلك السجن الطويل كان ميلادي الثاني!
وعندما أسقطوني زورًا في الانتخابات الرئاسية الأولى في تاريخ مصر، ظنوا أنهم انتصروا، ولكنهم كانوا الخاسرين أمام العالم.
خروجي من السجن ٢٠٠٩، ثم من مصر ٢٠١٣
لم يكن إفراجًا عني بقدر ما كان تمديدًا لمعاناتي وحرماني من حقوقي كمواطن وإنسان.
رغم كل القيود التي وضعوها، لم يستطيعوا إطفاء شعلة حريتي أو إسكات صوتي.ولو تم إبعاده أو التشويش عليه
تعرضت لسلسلة فريده من القهر والعسر والعسف تبدا بحرماني من العمل،
و شطبي من النقابة، لإغلاق مكتبي، ومنع نشر أي خبر أو صورة لي في الصحافة إلا للإساءة والتشويه، كلها كانت جزءًا من سلسلة طويلة من الاضطهاد استمرت ولا زالت مستمره .
يحاصرونني بالمخبرين والمدسوسين، في سجني وغربتي تجسسوا على تليفوناتي أشعلوا النار في بيتي و مقري ،
لم يتركوا مجالًا إلا وحاولوا أن يلوثوا سمعتي فيه.
لكن كل ذلك لم يزدني إلا قوة وإصرارًا على مقاومة الظلم.
في كل مرة كانوا يظنون أنهم انتصروا عليّ، كنت أجد في أعماقي طاقة جديدة للمقاومة، فالحياة معركة، وقلبي ساحة قتال لا تستسلم للانهزام.
اليوم، بعد ٤٣ عامًا من النضال، لم يتبق لي سوى حلم واحد: أن أرى وطني حرًا، وأن أظل رمزًا للعقل والاصلاح وللمعارضة في وجه نظام يريد أن يمحو كل صوت معارض.
فرمانات الاغتيال التي حاولت أن تسكتني فشلت في القضاء عليّ، رغم أنها نجحت في إيلامي.
ما يحزنني احيانا،ليس ما فعلوه بي، بل تورط -البعض -في ترويج تلك الفرمانات بدلًا من مقاومتها.
ومع ذلك، يبقى يقيني بأن صمودي سيبقى أقوى من كل محاولاتهم لكسري.
إنهم يراهنون على قوة اعواد مشانقهم،
لكن الأيام تثبت أن رقاب عصافير الحريه أقوى من أن تهزمها بنادق الصيادين