تستمر مصر في مواجهة أزمة حقيقية في قطاع الكهرباء، على الرغم من إعلانها امتلاكها لفائض كهربائي كبير. الانقطاعات المتكررة في التيار الكهربائي تطرح تساؤلات حول قدرة الشبكة الكهربائية في البلاد على تبادل الطاقة بشكل فعال، رغم وجود مشروع ضخم للربط الكهربائي مع السعودية، وهو المشروع الذي طالما تم الترويج له كأملٍ في حل أزمة الكهرباء وتصدير الفائض الكهربائي إلى دول الخليج.
لكن الواقع يكشف عن فشل ذريع، لا سيما في ظل الفساد المستشري داخل الشركة القابضة لكهرباء مصر ووزارة الكهرباء، إضافة إلى تضارب التصريحات من المسؤولين حول تقدم المشروع.
مشروع الربط الكهربائي بين مصر والسعودية: من وعد إلى واقع متعثر
في عام 2012، وقع كل من مصر والسعودية اتفاقية تعاون لإنشاء مشروع الربط الكهربائي بين البلدين، بتكلفة تقدر بـ 1.8 مليار دولار، تمثل مصر منها 600 مليون دولار، بينما يساهم الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي، والبنك الإسلامي للتنمية في تمويل المشروع.
كان الهدف من هذا المشروع هو تبادل 3 آلاف ميجاوات من الكهرباء بين البلدين، وهو ما يعني القدرة على تزويد 20 مليون شخص بالكهرباء، بالإضافة إلى إمكانية إنشاء سوق مشتركة للطاقة بين الدول العربية. لكن ما كان يجب أن يكون خطوة إيجابية لتحسين الوضع الكهربائي في مصر وتحقيق استفادة اقتصادية من فائض الطاقة، أصبح واحدًا من أكبر الأمثلة على الفشل الحكومي.
رغم مرور أكثر من 12 عامًا على توقيع الاتفاقية، لا يزال المشروع يواجه تعثرات وإخفاقات فاضحة. في البداية، تأجل المشروع بسبب انشغال الحكومة السعودية في مشروع مدينة “نيوم” الضخم، ولكن عند النظر إلى الوضع الراهن، نجد أن السبب الأساسي ليس فقط تلك التأجيلات، بل أيضًا الفساد المستشري داخل وزارة الكهرباء والشركة القابضة لكهرباء مصر.
التكاليف المتزايدة وتأخيرات التنفيذ
كان من المفترض أن يتم تشغيل المرحلة الأولى من المشروع في عام 2025 بقدرة 1.5 جيجاوات، على أن تنطلق المرحلة الثانية في العام التالي بقدرة مشابهة. ولكن، وفقًا للبيانات الرسمية، تزايدت التكاليف بشكل غير مبرر، حيث ارتفعت التكلفة إلى 1.8 مليار دولار بدلاً من 1.6 مليار دولار، أي بزيادة تقدر بحوالي 200 مليون دولار.
بينما لا يزال المشروع بعيدًا عن الاكتمال، ولا يتجاوز إنجازه الحالي 45%، وفقًا للمصادر الرسمية. كما أن الأعمال في السعودية تسير بوتيرة أسرع من نظيرتها في مصر، مما يعكس التقاعس الكبير في أداء الحكومة المصرية.
الجانب المصري، الذي يشرف على تنفيذ المشروع من خلال الشركة المصرية لنقل الكهرباء، يبدو أنه يعاني من سوء الإدارة والتخبط في اتخاذ القرارات. يشير ذلك إلى ضعف التنسيق بين الجهات المعنية، بالإضافة إلى سوء استخدام الموارد المخصصة للمشروع.
المستفيد الأكبر: السعودية أم مصر؟
يُعتبر مشروع الربط الكهربائي مع السعودية واحدًا من المشاريع التي تسلط الضوء على عجز الحكومة المصرية في إدارة مشاريعها الكبرى. وبينما كانت تأمل مصر في تصدير فائض كهربائي إلى دول الخليج، يبدو أن السعودية هي المستفيد الأكبر من هذا المشروع.
فالسعودية، التي تمتلك فائضًا كبيرًا من الكهرباء، ستتمكن من استخدام هذا الربط للتصدير إلى دول الجوار، بينما سيكون هدف مصر هو تصريف فائضها المحلي الذي لا تستطيع استغلاله بسبب نقص الغاز والمازوت اللازم لتشغيل محطات الكهرباء بشكل كامل.
التقارير الرسمية تكشف عن تراجع خطير في الصادرات الكهربائية
بحسب التقرير السنوي الأخير الصادر عن الشركة القابضة لكهرباء مصر لعام 2021، تمتلك مصر ثلاثة خطوط ربط كهربائي مع الدول المجاورة منذ عام 1998. وتتمثل هذه الخطوط في الربط مع ليبيا، الأردن، والسودان.
لكن المفاجأة تكمن في حقيقة أن صادرات الكهرباء لم تمثل سوى نسبة ضئيلة من إجمالي الإنتاج المحلي. ففي عام 2011، بلغت صادرات الكهرباء 1595 جيجاوات في الساعة بقيمة مالية تصل إلى 99 مليون دولار. لكن بحلول عام 2020، تراجعت هذه الصادرات بشكل كبير إلى 885 جيجاوات فقط بعائد مالي بلغ 48 مليون دولار.
ويكشف تحليل البيانات المتعلقة بصادرات الكهرباء بين عامي 2010 و2020 عن تراجع حاد في الكميات المصدرة، التي لم تتجاوز في أغلب الأحيان نسبة 0.4% من إجمالي الكهرباء المولدة في مصر.
ففي عام 2012، كانت نسبة الصادرات هي الأعلى على مدار هذه الفترة، إذ بلغت 1.1% من إجمالي الإنتاج المحلي، بينما انخفضت إلى 0.4% بين 2014 و2020.
هذا التراجع الحاد في الصادرات يعكس ضعف قدرة مصر على استغلال فائض الطاقة لديها، مما يثير التساؤلات حول فاعلية المشاريع الحكومية في تحسين الوضع الكهربائي.
ورغم أن مصر تمتلك فائضًا من الكهرباء، إلا أن الشبكة الكهربائية لا تعمل بالكفاءة المطلوبة، مما يؤدي إلى الانقطاعات المتكررة في التيار الكهربائي.
استيراد الكهرباء: فضيحة أخرى تؤكد الفشل الذريع
على الرغم من كون مصر تمتلك فائضًا من الكهرباء، إلا أنها استوردت حوالي 95 جيجاوات في الساعة من الدول المجاورة بين عامي 2014 و2020. هذه الكمية تمثل أكبر واردات كهرباء على الإطلاق في تاريخ مصر، مما يبرز الفشل الإداري في إدارة هذا القطاع.
في الوقت الذي كان يُفترض أن تصدر مصر الكهرباء إلى دول الجوار، تجد نفسها في وضعية الاستيراد، وهو ما يعكس عجز الحكومة المصرية عن استغلال الفائض الكهربائي بشكل صحيح.
التبادل الكهربائي: هل هو مجرد خدعة؟
ويبدو أن التبادل الكهربائي بين مصر والدول المجاورة لا يتجاوز كونه مجرد تبادل محدود جدًا، وليس تصديرًا حقيقيًا للطاقة. فعلى الرغم من امتلاك مصر فائضًا من الكهرباء، إلا أن معظم الدول المجاورة لديها أيضًا فائض من الطاقة،
مما يعني أن الربط مع هذه الدول يكون أكثر للتبادل المتبادل للطاقة وليس للتصدير. وبالتالي، فإن التصدير الفعلي للكهرباء إلى الدول المجاورة لا يُعد إلا جزءًا صغيرًا من الخطة الحكومية.
التخبط الحكومي والتناقضات المستمرة
التناقضات العديدة في تصريحات المسؤولين بوزارة الكهرباء، التي تتحدث عن نسب الإنجاز المتفاوتة، تساهم في إضفاء حالة من التخبط على المشهد العام.
في الوقت الذي يصرح فيه بعض المسؤولين عن تقدم المشاريع، يُظهر الواقع انخفاضًا ملحوظًا في معدلات الإنجاز، ما يخلق حالة من الفوضى الإدارية. هذه التناقضات تكشف عن غياب التنسيق بين مختلف الجهات، وهو ما ينعكس سلبًا على تنفيذ المشاريع الكبرى في قطاع الكهرباء.
فساد وتخبط في إدارة قطاع الكهرباء
ويتضح أن الحكومة المصرية ووزارة الكهرباء والشركة القابضة لكهرباء مصر لم تتمكن من الوفاء بتعهداتها في تحسين شبكة الكهرباء، على الرغم من امتلاكها فائضًا كهربائيًا كبيرًا. الانقطاعات المستمرة في التيار الكهربائي وعدم القدرة على استغلال الفائض يعكس حجم الفساد والتخبط في إدارة هذا القطاع الحيوي.
الفشل المستمر في تنفيذ مشاريع الربط الكهربائي مع دول الجوار، مثل المشروع مع السعودية، يشير إلى أن الحكومة المصرية عاجزة عن معالجة أزمة الكهرباء بشكل فعّال، وأن المسؤولين في وزارة الكهرباء والشركة القابضة لكهرباء مصر لا يعملون لصالح المواطن المصري، بل لصالح مصالحهم الشخصية.