تقاريرمصر

48 قاضيًا تحت التحقيق بسبب فساد الحكومة المصرية وتدهور أوضاع 12 ألف قاضٍ

في تطور غير مسبوق، تتفاقم أزمة القضاء المصري بشكل يهدد استقلاليته ويكشف عن مستوى التدخلات الحكومية السافرة، حيث تلاحق الحكومة مجموعة من القضاة باتهامات لا أساس لها، محوّلة السلطة القضائية إلى أداة بيد السلطة التنفيذية.

ففي خطوة مثيرة للجدل، أصدر وزير العدل المصري عدنان الفجري قرارًا بإحالة 48 قاضيًا للتحقيق أمام إدارة التفتيش القضائي، وهو القرار الذي جاء في وقتٍ تشهد فيه البلاد تدهورًا كبيرًا في وضع القضاة المالي والاجتماعي.

بحسب مصادر قضائية فقد رفض القضاة المحالون للتحقيق حضور جلسات التحقيق التي كانت مخصصة لهم، مشيرين إلى أن هذه الإجراءات تُعتبر غير قانونية وغير مبررة.

بداية الأزمة: اتهام القضاة بالإساءة للمؤسسة القضائية

الأزمة بدأت عندما تقدم المستشار وفائي أبسخرون، مدير إدارة التفتيش القضائي، بشكوى ضد مجموعة من القضاة الذين تحدثوا في مجموعات خاصة عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن تدهور أوضاعهم المالية واحتجاجاتهم على الأعباء المتزايدة التي يعانون منها.

وخلال هذه المناقشات، عبّر القضاة عن إحباطهم من تراجع حقوقهم المالية وفقدانهم للاستقلالية، معتبرين أن السلطة التنفيذية قد حولتهم إلى موظفين تابعين لها، مما أثار موجة من الغضب داخل الأوساط القضائية.

وصف البعض هذه الخطوة بـ “المذبحة القضائية”، في إشارة إلى ما اعتبروه محاولة منهجية لتقويض السلطة القضائية في مصر.

تصعيد الإضراب: القضاة يلوحون بالاعتصام والاحتجاج

وفقًا للمصادر نفسها، لوح القضاة المحالون للتحقيق بالتصعيد من خلال عقد جمعية عمومية داخل نادي القضاة، داعين خلالها إلى التصويت على تعليق العمل في المحاكم، بالإضافة إلى الإضراب والاعتصام داخل النادي، احتجاجًا على ما وصفوه بالقرار التعسفي المتمثل في إحالتهم للتحقيق.

كما أبدت أسر القضاة المحالين للتحقيق تضامنها الكامل معهم، سواء من خلال الأقارب أو الأبناء الذين ينتمون أيضًا إلى الجسم القضائي.

هذه التضامنات زادت من تعقيد الأزمة، وأشعلت حالة من الاستياء والاحتقان بين صفوف القضاة، ما ينذر بمزيد من التصعيد في الأيام المقبلة.

مساعي الحكومة للتهدئة: لقاء غير حاسم

في محاولة للحد من التصعيد، قال المصدر القضائي إن الحكومة تعمل حاليًا على ترتيب لقاء بين وزير العدل المستشار عدنان الفجري ومجلس إدارة نادي قضاة مصر، الذي يرأسه نائب رئيس محكمة النقض المستشار أبو الحسين فتحي قايد.

هذا اللقاء يهدف إلى مناقشة الأزمة الحالية ومحاولة إيجاد حلول لتهدئة الموقف، خاصة بعد أن تدخلت أطراف قضائية رفيعة المستوى في محاولة لتقريب وجهات النظر بين الحكومة والقضاة. إلا أن هذا اللقاء يبقى مشوبًا بالشكوك حول جدواه، في ظل تعنت الحكومة المستمر في التعامل مع الأزمة.

أزمة التحقيقات: قرارات تعسفية لا تستند إلى قانون

وفي تعليقه على الأزمة، اعتبر المستشار جمال قابيل، الرئيس بمحكمة استئناف القاهرة، أن قرار وزير العدل بإحالة القضاة للتحقيق أمام إدارة التفتيش القضائي لا يستند إلى أي أساس قانوني.

وأوضح أن القضاة الذين تم إحالتهم لم يرتكبوا أي مخالفات أو تجاوزات قانونية. إذ اقتصرت تصرفاتهم على التعبير عن آرائهم في مجموعات خاصة عبر منصات التواصل الاجتماعي،

وهو أمر يتماشى مع حقهم في التعبير عن آرائهم في بيئة آمنة بعيدًا عن الملاحقة القانونية. وعليه، فإن الإحالات القانونية التي طالهم لا تمت للواقع بصلة، وتعد تدخلًا سافرًا في شؤون السلطة القضائية.

التمييز بين القضاة: مظالم تتراكم منذ 2014

تعود جذور هذه الأزمة إلى سنوات سابقة، وتحديدًا إلى عام 2014، حيث بدأ الصراع بين محاكم الاستئناف والمحاكم الابتدائية من جهة، ومحكمة النقض من جهة أخرى.

ووفقًا للمستشار أشرف مصطفى، الرئيس السابق لمحكمة استئناف القاهرة، فقد نشأت الأزمة بسبب قرار مجلس القضاء الأعلى بمنح امتيازات مالية استثنائية لأعضاء محكمة النقض، الذين لا يتجاوز عددهم 900 قاضٍ، في حين حرم قضاة المحاكم الابتدائية والاستئناف، الذين يزيد عددهم عن 12 ألف قاضٍ، من هذه الامتيازات.

هذه السياسات التمييزية بين القضاة أثارت مشاعر الغضب الشديد بين القضاة الآخرين، مما ساهم في تأجيج الاحتقان الذي انفجر مؤخرًا.

الفساد الحكومي: التدخلات السياسية في القضاء

تسجل هذه الأزمة نقطة أخرى في سلسلة من التدخلات الحكومية المستمرة في شؤون القضاء، مما يثير العديد من التساؤلات حول مدى نزاهة النظام القضائي المصري.

فالحكومة المصرية، بدلاً من الحفاظ على استقلالية القضاء وحمايته من التلاعبات السياسية، تتعامل مع القضاة كما لو كانوا موظفين تابعين للسلطة التنفيذية، بل وتحاول إخماد أي صوت يطالب بالإصلاح أو يعبر عن احتجاجات قانونية.

وبدلاً من التوصل إلى حلول قانونية عادلة للمشكلات المعيشية التي يعاني منها القضاة، تمارس الحكومة أسلوبًا قمعيًا يزيد من تفاقم الأزمة ويؤدي إلى تعميق الفجوة بين القضاء والسلطة التنفيذية.

مستقبل القضاء في خطر

يواجه القضاء المصري اليوم أكبر تهديد لاستقلاله منذ عقود، حيث تسعى الحكومة من خلال إجراءات تعسفية إلى تقويض الدور الرقابي الذي يلعبه القضاء على السلطة التنفيذية.

وبينما تسعى بعض الأطراف السياسية في الحكومة إلى استعادة السيطرة على السلطة القضائية، يظل المأزق قائمًا أمام القضاة الذين يطالبون بحقوقهم المالية والمعنوية، فضلاً عن الحفاظ على استقلالهم.

إن الأوضاع الحالية تضع القضاء المصري في مفترق طرق حاسم: إما أن يتم التوصل إلى حلول قانونية تضمن استقرار القضاء واستقلاله، أو أن تستمر الحكومة في مسلسل تدخلاتها الفاضحة التي تهدد بنسف مصداقية النظام القضائي في مصر.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى