منذ عدة سنوات، شهد قطاع الكهرباء في مصر أزمات مستمرة، ورغم ضخ الحكومة لموازنات ضخمة تجاوزت عشرات المليارات من الدولارات، إلا أن الوضع لم يتغير.
فحتى اليوم، لا يزال المواطنون يعتمدون على المولدات الأهلية لحل مشكلة نقص الكهرباء، وهو أمر يكبدهم أعباء مالية ضخمة.
ورغم تبريرات وزارة الكهرباء المستمرة حول نقص الغاز، إلا أن هذه الأعذار لم تقنع الكثيرين من المختصين والمواطنين، خاصة في ظل الأموال التي تم تخصيصها لهذا القطاع على مدار السنوات.
وتوضح البيانات الصادرة عن الشركة القابضة لكهرباء مصر بين عامي 2015 و2023 حجم الفشل الكبير الذي يشهده هذا القطاع.
ففي عام 2023، كانت 51 محطة كهرباء من أصل 91 محطة متصلة بالشبكة تعمل بأقل من نصف طاقتها، بينما في عام 2015 كان هذا الرقم لا يتجاوز 19 محطة فقط.
كما شهدت نفس الفترة زيادة كبيرة في عدد المحطات التي تعمل بأقل من ربع طاقتها، حيث وصل هذا العدد في عام 2022 إلى 32 محطة، بينما في عام 2014 كان لا يتجاوز 6 محطات. وهذه الأرقام تكشف عن حجم التدهور الكبير في أداء المحطات المصرية.
الأكثر إثارة للدهشة هو أن هناك 10 محطات متصلة بالشبكة لا تعمل على الإطلاق في عام 2023، رغم كونها جزءًا من البنية التحتية المقررة لتوفير الكهرباء.
عدم استغلال هذه المحطات الجديدة يعد إهدارًا فادحًا للموارد، حيث كان من الأفضل تأجيل إنشاء هذه المحطات إلى حين تأمين أسواق لاستيعاب الفائض من الكهرباء المنتجة.
وبالنظر إلى الأرباح المهدرة جراء هذه السياسات الفاشلة، تشير الحسابات التقديرية إلى أن الفائض الكبير في الكهرباء الذي لم يتم استغلاله كان من الممكن أن يدر أرباحًا تقدر بحوالي 3 مليون جنيه (ما يعادل 163 ألف دولار) يوميًا في حال تم تشغيل المحطات بكامل طاقتها.
ولا يتوقف الوضع هنا، حيث تواجه الشركة القابضة للكهرباء عبئًا إضافيًا يتمثل في تسديد الديون المستحقة على القروض التي تم الحصول عليها لإنشاء هذه المحطات، حيث اقترضت الشركة 10 مليار جنيه من البنك الأهلي الكويتي في الشهر الجاري فقط لإجراء الصيانات اللازمة.
ورغم ضخ هذه الأموال الهائلة، إلا أن المحطات الجديدة التي تم إنشاؤها بعد عام 2014 لم يتم استغلالها بشكل أمثل، وهو ما يعكس فشلًا ذريعًا في التخطيط وإدارة قطاع الكهرباء.
ففي الوقت الذي تزايدت فيه القروض المحلية والدولية من أجل بناء هذه المحطات، لم تشهد البلاد أي تحسن ملحوظ في توفير الطاقة اللازمة لتلبية احتياجات المواطنين.
فمنذ عام 2014، تلقت مصر العديد من القروض الدولية لتمويل محطات الكهرباء، بما في ذلك قروض ضخمة من تحالفات دولية لتمويل محطات سيمنس في البرلس وبني سويف والعاصمة الإدارية الجديدة. وعلى الرغم من ذلك، لم يتم استغلال هذه المحطات بالشكل الأمثل.
وفي سياق متصل، تشير التقارير إلى أن شركة الكهرباء لا تملك استراتيجية واضحة لإدارة مشروعاتها، وهو ما أدى إلى شح الوقود اللازم لتشغيل المحطات.
سياسة التعاقد مع وزارة البترول لا تتماشى مع نوع الوقود المتاح، مما جعل قطاع الكهرباء في مصر يواجه تحديات كبيرة، وأدى إلى تفاقم الديون على الشركة القابضة.
هذا الفشل المستمر في قطاع الكهرباء أضر بالمواطنين، الذين أصبحوا يعتمدون بشكل كامل على المولدات الأهلية، خاصة مع تصاعد انقطاع التيار الكهربائي في فترات الصيف والشتاء.
ورغم وجود الفائض الكبير في القدرة الإنتاجية، فإن الحكومة ووزارة الكهرباء لم تتمكن من استغلال هذه القدرات في مواجهة احتياجات المواطنين، بل تم توجيه الأموال نحو بناء محطات جديدة تعمل بالغاز الطبيعي، رغم أن هذه المحطات تحتاج إلى وقود مستورد باهظ الثمن.
ويزداد الوضع سوءًا عندما نلاحظ أن البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية قدم تمويلًا بقيمة 300 مليون دولار لمصر بهدف إيقاف تشغيل بعض المحطات الغازية التي تعمل بقدرة 5 جيجاوات.
هذا التمويل سيخصص لزيادة الاستثمارات في الطاقة المتجددة من خلال بطاريات تخزين الكهرباء وتطوير شبكة الكهرباء المحلية.
وتواصل الوزارة تبرير إخفاقاتها بتقليص الدعم عن الكهرباء ورفع الأسعار على المواطنين، رغم المبالغ الهائلة التي تم إنفاقها على بناء محطات كهرباء جديدة.
وفي ذات الوقت، تستمر الشركة القابضة في دفع رواتب ضخمة لعدد من قيادات الوزارة الذين يواصلون شغل مناصبهم رغم فسادهم الواضح، ويضاف إلى ذلك وجود عدد كبير من المستشارين الذين لا يقدمون أي فائدة.
ورغم جميع هذه الأزمات، يظل جابر دسوقي، رئيس الشركة القابضة لكهرباء مصر، في منصبه، غير مكترث بالأزمات التي تتوالى على القطاع.
إذ تمكن دسوقي من البقاء في منصبه طوال خمس حكومات متعاقبة، رغم الاتهامات المتواصلة بالفساد وإهدار المال العام.
ويدير القطاع بيد من حديد، في وقت تتزايد فيه الأزمات، ولا يبدو أن هناك أي تحرك جاد لإصلاح القطاع أو محاسبة المسؤولين عن هذا الفشل.
وفي ظل هذا الفشل الذريع، لا يزال المواطن المصري يعاني، والظلام يزداد انتشارًا في القرى والمدن على حد سواء. الإصلاحات اللازمة تبدو بعيدة المنال، ويظل الأمل الوحيد في التحول إلى الطاقة المتجددة، لكن الواقع المرير يعيق أي تقدم في هذا المجال.