في تحدٍ صارخ للحقائق ومخالفة لكل المبادئ القانونية، تستمر الحكومة المصرية في نفي وجود أي تجاوزات على حرمة الموتى في منطقة الخانكة بمحافظة القليوبية، في حين يصر المواطنون على كشف تفاصيل عمليات نبش القبور واستخراج الجثث من داخل المقابر التي تم هدمها.
رغم التصريحات الرسمية التي تحاول التستر على الفضيحة، تكشف المقاطع المصورة والشهادات المتناقلة عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن صورة مروعة لممارسات من شأنها أن تثير غضب كل مواطن في مصر.
الحكومة المصرية تكذب والشهادات تتوالى
في الساعات الأخيرة، تداول المصريون مقاطع فيديو على منصات التواصل الاجتماعي تظهر عمليات استخراج جثث من مقابر تقع في مركز الخانكة.
أحد المقاطع أظهرت فتاة تتحدث عن عملية استخراج 8 جثث خلال يومين فقط. على الرغم من هذه المشاهد الدالة على انتهاك حرمة الموتى، خرج المسؤولون في الحكومة لينفوا تماماً صحة هذه الأنباء، مؤكدين أن الأكفان التي تم العثور عليها داخل المقابر كانت فارغة ولم تحتوي على أي جثث.
في إطار تلك الرواية الرسمية، ادعى محافظ القليوبية، أيمن عطية، أن الأكفان كانت تحتوي على مواد غير حقيقية مثل “ليف النخيل” أو “ورق كرتون”، وأن الأكفان كانت جزءاً من حيلة تهدف إلى تضليل الرأي العام.
وزعم عطية في تصريحاته التي أدلى بها في برنامج “الحكاية” للإعلامي عمرو أديب، وفي حديث آخر مع موقع “مصراوي”، أن هذا كله ليس سوى مجرد شائعات من قِبل أشخاص قاموا ببناء المقابر بطريقة غير قانونية.
وأوضح أن هذه المقابر تعود إلى جمعية كانت تمتلك أراضٍ بهدف الزراعة، ولكن بعد فشل مشروعها الزراعي تم تحويل جزء منها إلى أراضٍ صناعية وسكنية وأخرى لدفن الموتى.
كشف الحقائق الغائبة والتواطؤ الحكومي
على الرغم من محاولات الحكومة المصرية لإخفاء الحقائق وطمس ما حدث، إلا أن المواطنين في الخانكة يواصلون الكشف عن تفاصيل فاضحة. هؤلاء المواطنون الذين فقدوا أحباءهم في تلك المقابر يؤكدون أنهم شهدوا بأعينهم عمليات استخراج الجثث، الأمر الذي يفضح الحقيقة المدفونة خلف التبريرات الحكومية.
في الوقت الذي كان يُزعم فيه أن المقابر كانت في مراحل إنشائها ولم يُدفن فيها أي موتى، يتحدث الأهالي عن استغلال هذه الأراضي وبيعها كمقابر للمواطنين بأسعار مرتفعة جداً.
ووفقاً لعضو مجلس النواب، عمرو درويش، الذي نشر منشوراً عبر منصته على “إكس”، فإن قيمة المقبرة تجاوزت 350 ألف جنيه، في ظل غياب الرقابة الرسمية عن هذه العمليات.
درويش أضاف أن شركات معنية كانت قد حصلت على الأراضي التي كانت مخصصة للاستصلاح الزراعي، ولكنها حولتها إلى استثمارات مربحة على حساب الجثامين والمواطنين الذين تم تضليلهم ودفعوا أموالاً طائلة لشراء هذه المقابر.
تساؤلات عن الفساد المستشري وتجاهل الحكومة للحقائق
في الوقت الذي تدعي فيه الحكومة أن المقابر التي تم هدمها كانت عبارة عن أراضٍ غير مُقننة، وأن جثث الموتى لم تكن موجودة داخل الأكفان، لا يمكن إخفاء حجم الفساد الذي يحوم حول هذه العملية. فالحكومة المصرية كانت على علم بهذه التجاوزات، لكن لم تحرك ساكناً لتقديم المسؤولين إلى المحاكمة أو اتخاذ خطوات جادة لضبط المخالفات.
المثير في الأمر أن هذا التلاعب بالأراضي لم يكن ليحدث لو كانت هناك رقابة حكومية جادة، ولم يكن من الممكن أن يتم تخصيص أراضٍ لدفن الموتى في مواقع كانت مخصصة أصلاً لأغراض أخرى دون علم الحكومة.
كما أن موافقة الحكومة على تخصيص أراضٍ في الخانكة لهذا الغرض، في وقت كان فيه المكان لا يفي بشروط المقابر القانونية، يكشف عن تواطؤ مع مافيا المقابر التي تبتلع المال العام وتغرق في الفساد، وتستغل حاجات المواطنين بطريقة مشينة.
خطة الحكومة لتغطية الفضيحة وتخريب الحقيقة
في إطار محاولاتها المتواصلة لتغطية هذه الفضيحة، حاولت الحكومة تسويق مبررات واهية، مثل تأكيد أن أكفان الموتى كانت تحتوي على “أكياس أسمنت فارغة”، في محاولة للتقليل من خطورة الحادثة،
إلا أن هذه الأكاذيب لم تنطلِ على المواطنين الذين أكدوا أن تلك المقابر كانت تحتوي على جثث حقيقية، وأن ما تم سحبه ليس سوى محاولة خبيثة لطمس الحقائق.
ورغم أن الحكومة تصر على أن المقابر لم يتم دفن الموتى فيها، فإن تلك التصريحات تبدو بعيداً عن الواقع، خاصة مع تداول العديد من الصور والفيديوهات التي توضح أن المكان كان مهيأ لدفن الجثث بالفعل، وأنه كان يتم التلاعب به من أجل جني الأرباح. وبالتالي، فإن الرواية الرسمية لا تتوافق مع الحقائق الميدانية التي يشهدها الأهالي.
الفساد مستمر والمواطنون يدفعون الثمن
ما يحدث في الخانكة ليس مجرد حادثة عرضية أو خطأ فردي، بل هو جزء من ظاهرة فساد واسعة النطاق تشهدها معظم القطاعات في مصر. الحكومة التي تعيش في عالم من الإنكار والتغطية، تتنصل من المسؤولية وتتناسى واجبها في حماية المواطنين من استغلال الجثامين وتحويل الموتى إلى سلعة قابلة للربح.
ولا شك أن هذه الحادثة ستظل شاهداً على حالة التواطؤ الحكومي مع المافيا التي تتحكم في تجارة المقابر وتستغل الموتى لتحقيق مكاسب مالية على حساب المواطن البسيط.
إن الحكومة، في محاولاتها المستمرة للتنصل من المسؤولية وتبرير الفساد، تهدد قيم العدالة في البلاد وتضرب بعرض الحائط حقوق المواطنين.
ورغم التشكيك الرسمي، تبقى الحقيقة واضحة في أذهان الجميع، والمواطنون في الخانكة لن يتوقفوا عن فضح الفساد الذي طالهم وطال أرواح موتاهم.