قوات المعارضة السورية تسيطر على القنصلية الإيرانية في حلب وتصادر وثائق عسكرية هامة
في تصاعد خطير للصراع السوري، قامت قوات المعارضة السورية بالسيطرة على القنصلية الإيرانية في مدينة حلب بعد معارك عنيفة مع القوات الحكومية وقوات حماية القنصلية الإيرانية، حيث أسفرت الاشتباكات عن سقوط عدد من القتلى والجرحى من كلا الجانبين،
كما استطاعت قوات المعارضة مصادرة وثائق وخرائط حساسة تخص العمليات العسكرية في المنطقة وهو ما قد يشكل ضربة قوية للحكومة السورية وحلفائها، خصوصا مع الكشف عن تفاصيل خطط ميدانية معقدة كانت تستخدمها القوات الحكومية بالتنسيق مع القوات الإيرانية.
وبحسب وسائل إعلام محلية سورية ومقاطع فيديو نشرتها فصائل المعارضة المسلحة على وسائل التواصل الاجتماعي، فإن تلك الفصائل تمكنت مساء يوم الجمعة من السيطرة على عدة مقار أمنية حساسة في مدينة حلب، من بينها مقار الأمن العسكري والأمن السياسي وأمن الدولة.
هذا التقدم السريع والمفاجئ للمعارضة في حلب يعد تطوراً غير مسبوق منذ سنوات، حيث كانت القوات الحكومية تسيطر على معظم أجزاء المدينة منذ استعادتها عام 2016 بمساعدة مباشرة من القوات الروسية والإيرانية.
ويبدو أن هذا الهجوم الخاطف الذي شنته هيئة تحرير الشام وفصائل حليفة لها كان مخططاً بدقة لاستهداف المناطق الحيوية في المدينة وتوجيه ضربات موجعة للقوات الحكومية.
الفصائل المسلحة نشرت مقاطع مصورة توثق دخولها إلى المقرات الأمنية وسط أجواء احتفالية وتفجير للاعتقالات والسجون، وأعلنت تلك الفصائل أيضاً فرض حظر تجوال شامل في المدينة حتى صباح يوم السبت، حيث أكدت أنها أطلقت سراح ما يقرب من 100 معتقل من سجن الأمن العسكري.
هذا الإجراء يأتي في إطار مسعى المعارضة لبسط سيطرتها الكاملة على المدينة وقطع الطريق أمام أي محاولات حكومية لاستعادة المناطق التي خسرتها في المعارك الأخيرة.
وبالتزامن مع هذه التطورات، أعلن الجيش الروسي عبر وكالات الأنباء الرسمية أن قواته الجوية بدأت بتنفيذ غارات جوية مكثفة تستهدف مواقع الفصائل المسلحة في حلب، في محاولة لوقف تقدم المعارضة واستعادة السيطرة على المناطق التي فقدتها القوات الحكومية.
روسيا التي تعد الحليف الرئيسي للنظام السوري وصفت الهجوم الذي نفذته الفصائل المسلحة بأنه “عمل إرهابي كبير” يستهدف زعزعة استقرار سوريا، وأكدت عزمها مواصلة دعم الجيش السوري في مواجهة ما أسمته بـ”التطرف والإرهاب”.
من جانبه، شدد دميتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين على أن روسيا تعتبر هذا الهجوم انتهاكاً للسيادة السورية، مؤكداً أن السلطات السورية بحاجة إلى استعادة السيطرة والنظام الدستوري في أسرع وقت ممكن.
وفي نفس السياق، أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بأن قوات المعارضة نجحت في السيطرة على عدة أحياء حيوية في مدينة حلب للمرة الأولى منذ عام 2016، من بينها أحياء السكري، الفرقان، والأعظمية، وسيف الدولة، وهي مناطق كانت تعتبر حصوناً للقوات الحكومية.
مدير المرصد رامي عبد الرحمن أكد أن الجيش السوري انسحب من هذه المناطق دون أن يخوض مواجهات مباشرة مع الفصائل المسلحة، وهو ما يثير التساؤلات حول قدرة القوات الحكومية على الصمود أمام الهجوم المتسارع للمعارضة في المدينة.
وتعتبر حلب ثاني أكبر المدن السورية وأحد أهم معاقل النظام السوري، وتكتسب أهميتها الاستراتيجية من موقعها الجغرافي وكونها مركزاً تجارياً وصناعياً مهماً.
السيطرة على حلب تعني تحولاً كبيراً في موازين القوى في النزاع السوري، خصوصاً أن المدينة كانت تحت سيطرة الحكومة بشكل شبه كامل بعد سنوات من القتال العنيف الذي انتهى بتدخل مباشر من روسيا في نهاية 2016.
وعلى الرغم من محاولات القوات الحكومية السورية، مدعومة بالقوات الروسية، استعادة السيطرة على المناطق التي خسرتها في حلب، إلا أن تقارير ميدانية تشير إلى أن المعارضة حققت تقدماً واسعاً خلال الأيام الثلاثة الأخيرة من القتال.
فقد أكدت الفصائل المسلحة في تصريحات لها يوم السبت أنها تمكنت من الوصول إلى قلعة حلب الشهيرة وسط المدينة، كما وصلت إلى ساحة سعد الله الجابري التي تعد أحد أهم معالم حلب، ما يعني أن نصف المدينة أصبح تحت سيطرة المعارضة دون مقاومة تذكر من القوات الحكومية.
في هذا السياق، أكدت مصادر عسكرية أن السلطات السورية اضطرت إلى إغلاق مطار حلب وإلغاء جميع الرحلات الجوية تحسباً لأي تطورات مفاجئة قد تؤثر على الأمن في المنطقة المحيطة بالمطار. كما أشارت تقارير إلى أن الجيش السوري يواصل صد الهجوم في ريفي حلب وإدلب حيث دارت معارك ضارية بين الطرفين خلال اليومين الماضيين.
الحكومة السورية تؤكد أنها كبدت الفصائل المسلحة خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات، إلا أن المعارضة تواصل تقدمها في بعض المناطق الريفية، وهو ما يجعل المعارك في هذه الجبهات مفتوحة على كل الاحتمالات.
ومن جانب آخر، نفت وسائل الإعلام الرسمية السورية تقارير المعارضة عن سيطرتها على أجزاء واسعة من مدينة حلب، مؤكدة أن القوات الحكومية لا تزال تسيطر على المراكز الحيوية في المدينة.
كما أكدت أن الدعم الجوي الروسي لعب دوراً مهماً في منع الفصائل المسلحة من التقدم نحو المزيد من المناطق الاستراتيجية.
يأتي هذا التصعيد في ظل تعقيدات المشهد السوري، حيث تتداخل مصالح العديد من الأطراف الدولية والإقليمية في الصراع.
ومع تقدم المعارضة في حلب، يصبح السؤال المطروح: هل سيتمكن النظام السوري وحلفاؤه من استعادة زمام المبادرة، أم أن هذه الأحداث ستكون بداية لتحولات جذرية في مسار النزاع السوري الذي دخل عامه الثالث عشر؟