تعد خسائر البورصة المصرية في الآونة الأخيرة بمثابة دق ناقوس خطر في ظل ما تشهده من تدهور غير مسبوق على كافة الأصعدة، حيث فقدت البورصة المصرية خلال تعاملات يوم الأربعاء نحو 27.6 مليار جنيه من قيمتها السوقية بعد أن تراجع المؤشر الرئيسي EGX30 بنسبة 1.45%.
هذه الخسائر تأتي في وقت حساس للغاية بالنسبة للاقتصاد المصري، الذي يعاني من مشاكل ضخمة على مستوى السياسات المالية والاقتصادية، الأمر الذي يثير تساؤلات حول السبب الحقيقي وراء هذا التراجع الكبير في السوق.
لقد جاء هذا التراجع الكبير في البورصة تحت ضغط مبيعات متزايدة من قبل المستثمرين المصريين والعرب، وهو ما يشير بوضوح إلى فقدان الثقة في الاقتصاد الوطني وفي أداء الحكومة المصرية في الفترة الأخيرة.
فالضغط الناتج عن عمليات البيع المكثفة يعكس حجم اليأس الذي يعيشه العديد من المستثمرين الذين أصبحوا غير قادرين على تحمل الأوضاع الراهنة. ورغم ذلك، فإن الحكومة المصرية لا تظهر أي تحرك ملموس لمعالجة هذا الوضع، مما يعكس تقاعسًا واضحًا في اتخاذ خطوات إصلاح حقيقية يمكن أن تعيد الثقة للمستثمرين.
من المثير للدهشة أن الحكومة لا تزال تغفل واقع السوق المصري وتستمر في تنفيذ سياسات غير فعالة، تؤدي إلى تدهور مستمر في كافة القطاعات.
الحكومة التي تدير البلاد اليوم فشلت في التعامل مع الأزمات الاقتصادية المتتالية، ولم تقدم حلولًا حقيقية لمشاكل السوق المالية. هذا التقاعس الحكومي يعد جزءًا من سلسلة من الإخفاقات التي ساهمت في تدهور الأوضاع الاقتصادية بشكل عام.
في الوقت الذي تشهد فيه البورصة المصرية هذا التراجع الكبير، لا نجد أي تحرك حكومي جاد لاحتواء الوضع أو حتى لتخفيف حدة الأزمة.
لقد أخفقت الحكومة في تقديم خطة اقتصادية واضحة تساهم في استعادة الثقة في السوق، بل إن التصريحات الحكومية في هذا السياق لا تزال تركز على الأمور الشكلية فقط دون أن تقدم حلولًا عملية أو تشخيصًا دقيقًا للمشاكل.
أضف إلى ذلك أن الحكومة المصرية لم تحرك ساكنًا لمواجهة الفساد الذي يعشش في مفاصل العديد من مؤسسات الدولة، مما جعل عملية إصلاح الاقتصاد المصري تبدو مستحيلة. الفساد المستشري داخل الأجهزة الحكومية يعوق أي محاولة لتحسين الوضع المالي أو الاقتصادي، وهو ما يجعل المواطنين والمستثمرين في حالة من الإحباط المستمر.
الفساد ليس فقط مرتبطًا بالمؤسسات الحكومية، بل يتجاوز ذلك إلى الأسواق المالية التي أصبحت تفتقر إلى الرقابة الفعالة، ما يزيد من تفاقم الأوضاع الاقتصادية.
من جانبه، لا يمكن إغفال الأثر السلبي للقرارات الاقتصادية المتسرعة وغير المدروسة التي تتخذها الحكومة بين الحين والآخر. هذه القرارات، التي تظهر وكأنها مجرد محاولات لتهدئة الأوضاع المؤقتة، تزيد الأمور تعقيدًا وتساهم في مزيد من التدهور. تزايدت الأسعار بشكل ملحوظ، كما أن القيم الشرائية للمواطنين تراجعت بشكل حاد، ما أدى إلى تدهور الأوضاع المعيشية للعديد من المصريين. هذا التدهور في الأوضاع الاقتصادية انعكس بدوره على أداء الشركات المدرجة في البورصة، التي تجد نفسها الآن مضطرة للاستجابة لضغوط السوق بتخفيض قيمتها السوقية، مما يعكس ضعف الإدارة الحكومية وتخبط السياسات الاقتصادية.
أما فيما يتعلق بالبورصة نفسها، فقد انعكس هذا التراجع الكبير في السوق على كافة القطاعات المدرجة، خاصة بعد الضغوط التي تعرضت لها أسهم الشركات الكبرى. فقد شهدنا تراجعًا في مؤشرات الشركات الكبرى، وهو ما يسلط الضوء على حالة الضعف التي تعيشها البورصة المصرية حاليًا. شركات كانت في يوم من الأيام تمثل طليعة الاقتصاد المصري، أصبحت اليوم تواجه صعوبات مالية جمة، في ظل عدم وجود حلول حكومية تواكب التحديات.
لا يمكن الحديث عن الأوضاع الحالية في البورصة دون الإشارة إلى غياب استراتيجية تنموية حقيقية من جانب الحكومة. فعلى الرغم من الوعود الحكومية المتكررة بتحقيق نمو اقتصادي مستدام، إلا أن الواقع يشير إلى العكس تمامًا. الحكومة لم تبذل أي جهد حقيقي لخلق بيئة اقتصادية مواتية للاستثمار، بل على العكس، استمر الفساد والمحسوبية في السيطرة على العديد من القطاعات الحيوية، ما أضعف قدرة الاقتصاد المصري على التعافي.
فإن الوضع الحالي في البورصة المصرية، مع خسارة 27.6 مليار جنيه، يعد مؤشرًا خطيرًا على تفاقم الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد. الحكومة المصرية تبدو عاجزة تمامًا عن التعامل مع هذا التدهور، ولا توجد أي إشارات تدل على وجود إرادة حقيقية للإصلاح. ما نراه الآن هو حالة من التخبط الحكومي التي تزيد من تعقيد الأوضاع وتدفع الاقتصاد المصري نحو حافة الهاوية. إن البورصة ليست إلا مرآة للواقع الاقتصادي، وما نشهده من تراجع في الأسواق المالية ما هو إلا نتيجة حتمية للسياسات الفاشلة والفساد المستشري في مفاصل الدولة.