تستمر الحكومة المصرية في تجاهل الأزمات الاقتصادية العميقة التي تعصف بالبلاد عبر التنازل عن أصول هامة لصالح مستثمرين أجانب، وهو ما يعكس تقاعسها المستمر في إيجاد حلول مستدامة للأزمة النقدية المتفاقمة التي يعاني منها الاقتصاد.
في خطوة جديدة ضمن هذه السياسة، أعلن بنك المصرف المتحد عن طرح أسهمه للاكتتاب العام في البورصة بسعر 13.85 جنيه للسهم، بعد انتهاء الطرح الخاص يوم الاثنين الماضي. يأتي ذلك في وقت يعاني فيه الاقتصاد المصري من شح الدولار وارتفاع التضخم، بينما تتزايد انتقادات الشارع لسياسات الحكومة التي تفرط في بيع الأصول الوطنية تحت مبررات واهية.
الطرح الخاص للمصرف المتحد، الذي بدأ في 20 نوفمبر، شهد استحواذ المؤسسات الأجنبية على النسبة الأكبر من الأسهم المطروحة، ما يعكس مدى تركيز الحكومة على جذب رؤوس الأموال الأجنبية على حساب مصلحة المواطن والاقتصاد المحلي.
تم بيع 313.5 مليون سهم في الطرح الخاص، وهو ما يمثل نسبة 95% من إجمالي الأسهم المطروحة، فيما بدأ الطرح العام اليوم، الأربعاء، ويستمر حتى 3 ديسمبر، بطرح 16.5 مليون سهم فقط، وهو ما يعادل 5% من إجمالي الأسهم المعروضة، وفقًا للإفصاح الذي نشرته البورصة المصرية.
يظهر جليًا أن الحكومة المصرية تعتمد بشكل أساسي على تسويق هذه الصفقات في الخارج، وذلك لجذب السيولة الأجنبية بأي ثمن، دون اعتبار لتداعيات هذا النهج على المدى البعيد.
الإفصاح الذي قدمه البنك للبورصة يشير إلى أن الطرح الخاص تمت تغطيته ست مرات، وهو ما يدل على أن المؤسسات الدولية والمحلية الكبيرة هي المستفيد الأكبر من هذه الصفقة، في حين يتم تجاهل الطبقات المتوسطة والدنيا التي تعاني من تدهور مستمر في مستوى المعيشة.
ويبلغ رأسمال المصرف المتحد المصدر والمدفوع 5.5 مليار جنيه، موزعًا على 1.1 مليار سهم بقيمة اسمية تبلغ 5 جنيهات للسهم الواحد. وبحسب البيان، فإن البنك المركزي المصري يمتلك النصيب الأكبر من الأسهم بما يقارب 99.998 مليون سهم، في حين يمتلك صندوق العاملين بالبنك المركزي وصندوق العاملين بالبنك الأهلي المصري ألف سهم لكل منهما.
هذا التوزيع غير المتوازن لملكية الأسهم يعكس مدى تركيز السلطة على احتكار الأصول الوطنية واستغلالها لتحقيق مصالح فئوية دون النظر إلى أثر هذه السياسة على المواطن العادي.
المحاولة الفاشلة للبنك المركزي في بيع المصرف المتحد العام الماضي لصالح مستثمرين سعوديين تعكس بوضوح غياب التخطيط الاستراتيجي في إدارة الأصول الوطنية. الصفقة التي تعثرت بسبب الخلاف على تقييم البنك، جاءت في ظل تدهور عنيف في سعر الصرف بالسوق الموازية. وهذا يعكس حقيقة أن الحكومة المصرية عاجزة عن الحفاظ على استقرار اقتصادي مستدام، وتلجأ بدلًا من ذلك إلى حلول مؤقتة تستنزف الموارد الوطنية.
يتكون المصرف المتحد من شبكة من 68 فرعًا و225 جهاز صراف آلي، بالإضافة إلى قنوات رقمية متطورة، ويعمل به حوالي 1800 موظف. وقد شهدت أصول البنك نموًا ملحوظًا من 72 مليار جنيه في 2021 إلى 106 مليارات جنيه في يونيو 2023. وعلى الرغم من هذا النمو، فإن ارتفاع الأرباح من 1.1 مليار جنيه في 2021 إلى 1.7 مليار جنيه في 2023 لم ينعكس إيجابيًا على الاقتصاد الوطني الذي لا يزال يعاني من أزمة الدولار.
تظهر هذه الأرقام بوضوح كيف أن الحكومة المصرية تعتمد على تحقيق مكاسب قصيرة الأجل عبر بيع الأصول المربحة. هذا الاتجاه يعمق الأزمة النقدية بدلًا من حلها، حيث أن بيع أصول مثل المصرف المتحد لا يوفر حلولًا مستدامة لأزمة الدولار التي تفاقمت بسبب سوء الإدارة والفساد الحكومي. الفجوة بين السياسة الاقتصادية التي تتبعها الحكومة واحتياجات المواطن واضحة ولا يمكن إنكارها. فلا يكفي أن تكون هناك أرباح في دفاتر الشركات، في حين يعاني الشعب من شح الموارد وتراجع مستوى الخدمات.
المؤسسات الدولية والمحلية الكبيرة، التي استفادت من تغطية الطرح الخاص، هي التي ستجني الثمار على حساب الاقتصاد المصري. في ظل هذا الوضع، يصبح من الواضح أن الحكومة لم تتعلم من أخطائها السابقة، وأنها مستمرة في الاعتماد على الحلول المؤقتة والتنازل عن الأصول الوطنية، دون أن تقدم أي خطط لإصلاح جذري للاقتصاد.
في الوقت الذي تسعى فيه الحكومة لجذب السيولة الأجنبية، تتجاهل التداعيات الكارثية التي قد تنتج عن هذا الاتجاه. فالبيع المستمر للأصول الوطنية يجعل البلاد عرضة لمزيد من الاستغلال من قبل المستثمرين الأجانب، ويضعف من سيادتها الاقتصادية. إن تغطية الطرح الخاص بنسبة 6 مرات يعكس الطلب الكبير على أصول مصرية مربحة، لكنه في الوقت ذاته يثير تساؤلات حول مدى استعداد الحكومة للتفريط في مقدرات البلاد مقابل مكاسب مالية مؤقتة.
وتتحمل الحكومة المصرية مسؤولية تدهور الوضع الاقتصادي، فهي التي تجاهلت الإصلاحات الحقيقية واختارت الطريق الأسهل، عبر بيع أصول هامة مثل المصرف المتحد، ما يجعل مستقبل الاقتصاد المصري في مهب الريح. تستمر الحكومة في اتباع نفس السياسات الفاشلة، تاركة المواطن المصري يعاني من عواقب هذه القرارات المتسرعة والسيئة.