شهدت الأسواق المصرية خلال الفترة الأخيرة ارتفاعًا كبيرًا في أسعار البطاطس، حيث وصل سعر الكيلو إلى 20 جنيهًا، وهو ما يمثل زيادة غير مسبوقة أثارت استياء المواطنين.
هذه الزيادة جاءت نتيجة ارتفاع سعر تقاوي البطاطس التي تستورد من الخارج، إذ بلغ سعر طن التقاوي 50 ألف جنيه، بعد أن كان في العام الماضي لا يتجاوز 35 ألف جنيه.
هذا الارتفاع في أسعار التقاوي تسبب في زيادة تكلفة زراعة البطاطس، ما أدى إلى تحميل المستهلك النهائي هذه التكلفة في ظل غياب أي تحرك جاد من الحكومة لمواجهة الأزمة.
ما يزيد من حدة الغضب الشعبي هو تقاعس الحكومة عن التدخل الفعلي لحل هذه الأزمة، حيث اكتفت وزارة الزراعة بتبرير ارتفاع الأسعار بأنه يعود إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج دون تقديم أي حلول عملية.
كما أن الجهات المعنية لم تقم باتخاذ أي إجراءات لتخفيف العبء عن المزارعين أو دعمهم، ما دفع الكثير منهم إلى تقليص المساحات المزروعة بالبطاطس خوفًا من الخسائر المالية التي قد يتكبدونها نتيجة الارتفاع الجنوني في أسعار التقاوي.
ورغم وعود الحكومة المتكررة بدعم المزارعين وتوفير التقاوي بأسعار مناسبة إلا أن الواقع يعكس عكس ذلك، حيث تستمر أسعار التقاوي في الارتفاع عامًا بعد عام دون أي رقابة أو تدخل حكومي.
وهذا ما يكشف عن وجود فساد داخل الجهات المسؤولة عن استيراد التقاوي، حيث أن هناك أطرافًا تستفيد من هذا الوضع على حساب المزارعين والمستهلكين على حد سواء.
وفي الوقت الذي يعاني فيه المواطن البسيط من ارتفاع أسعار البطاطس، نجد أن المسؤولين يواصلون تبريرهم للأزمة بدلاً من السعي لإيجاد حلول جذرية.
ورغم شكاوى المزارعين المتكررة من ارتفاع تكلفة زراعة البطاطس، إلا أن الحكومة لم تقدم أي دعم حقيقي لهم، سواء من خلال توفير التقاوي بأسعار مخفضة أو دعمهم بمستلزمات الإنتاج الزراعي الأخرى. كما أن الحديث عن دعم المزارعين يظل حبرًا على ورق، حيث لم نشهد حتى الآن أي خطوات فعلية لحل هذه الأزمة.
الفوضى في سوق البطاطس لم تقتصر على ارتفاع الأسعار فقط، بل امتدت إلى غياب أي دور رقابي من الحكومة على الأسواق، حيث شهدت الأسعار تفاوتًا كبيرًا بين منطقة وأخرى.
في بعض المناطق تجاوز سعر البطاطس 25 جنيهًا للكيلو، بينما في مناطق أخرى بلغ السعر 15 جنيهًا، وهو ما يطرح تساؤلات حول دور الأجهزة الرقابية في ضبط الأسواق وحماية المستهلكين من جشع التجار.
من جانب آخر، لا تزال الحكومة عاجزة عن اتخاذ أي إجراءات فعالة لمواجهة الاحتكار الذي يمارسه بعض التجار والمستوردين الذين يسيطرون على سوق التقاوي. هؤلاء التجار هم من يتحكمون في أسعار التقاوي، ويستغلون عدم وجود منافسة حقيقية بينهم لرفع الأسعار بشكل مبالغ فيه دون أي رادع.
وكان من المفترض أن تتدخل الحكومة لفرض رقابة صارمة على هؤلاء التجار ومنعهم من التلاعب بالأسعار، إلا أن الفساد المنتشر في أجهزة الدولة حال دون ذلك، مما يضع الحكومة في موضع المتواطئ مع هؤلاء التجار ضد مصلحة المواطن والمزارع.
وقد أدى غياب أي دور حقيقي للحكومة في دعم الزراعة المحلية إلى تفاقم الأزمة، حيث أن الاعتماد الكلي على استيراد التقاوي من الخارج جعل أسعارها عرضة للتقلبات العالمية، ما أضاف أعباء جديدة على المزارعين.
وكان من الممكن تجنب هذه الأزمة لو كانت هناك سياسة حكومية واضحة تهدف إلى تشجيع إنتاج التقاوي محليًا بدلاً من الاعتماد على الاستيراد. ولكن يبدو أن المصالح الخاصة لبعض المسؤولين والتجار تفضل بقاء الوضع كما هو عليه، حيث أن استيراد التقاوي يفتح أبوابًا للفساد والربح السريع على حساب المواطن والمزارع.
هذه الأزمة تكشف بوضوح تقاعس الحكومة عن أداء دورها في حماية المواطن والمزارع، حيث أن الفساد المستشري في أجهزة الدولة يعطل أي محاولة لإصلاح الأوضاع.
في الوقت الذي يتحدث فيه المسؤولون عن ضرورة دعم الزراعة المحلية وتحقيق الاكتفاء الذاتي، نجد أن السياسات الحكومية تسير في الاتجاه المعاكس، حيث تعتمد بشكل كامل على الاستيراد وتترك المزارعين يواجهون مصيرهم دون أي دعم أو حماية.
المزارعون يعانون من ارتفاع تكلفة زراعة البطاطس ويضطرون إلى تقليص المساحات المزروعة، ما يهدد بحدوث نقص في المحصول في المستقبل وزيادة جديدة في الأسعار. هذا النقص المتوقع سيزيد من معاناة المواطنين الذين يعانون بالفعل من ارتفاع أسعار الغذاء والسلع الأساسية في ظل تراجع مستوى الدخل وتدهور الأوضاع الاقتصادية.
وأن ارتفاع أسعار البطاطس وما يرافقه من أزمات يكشف عن فشل الحكومة في إدارة ملف الزراعة وعجزها عن حل الأزمات التي تواجه المزارعين والمستهلكين على حد سواء. الفساد المستشري داخل أجهزة الدولة يقف حائلًا أمام أي إصلاح حقيقي، حيث أن المصالح الشخصية لبعض المسؤولين والتجار أصبحت هي المحرك الرئيسي للقرارات والسياسات. المواطن والمزارع هما الخاسران الرئيسيان في هذه الأزمة، والحكومة تبدو غير قادرة أو غير راغبة في التدخل لحمايتهما من جشع التجار وفساد المسؤولين.