مقالات ورأى

أيمن نور يكتب : الأزهر الشريف: حارس الهوية الوطنية وراعي الاعتدال والتنوير

الأزهر الشريف ليس مجرد منارة علم ديني، بل هو أحد أعمدة الهوية المصرية ورمزها الجامع. عبر تاريخه الممتد لأكثر من ألف عام، حمل الأزهر رسالة مزدوجة: الإيمان بالتعددية الفكرية، والدفاع عن القيم الوطنية الجامعة. لم يكن الأزهر في يوم من الأيام حكرًا على مذهب أو تيار، بل ظل ممثلًا لكل المصريين، وحاضنًا للتنوع الذي يعبر عن روح هذا الوطن.

قديما قال الإمام حسن العطار، شيخ الأزهر ومجدد علومه، عبارته الخالدة: “إن بلادنا لا بد أن تتغير أحوالها ويتجدد بها من المعارف ما يوسع العقول والنفوس.” بهذه الرؤية، كان العطار أول من دعا إلى النهضة والتجديد، رابطًا بين الدين والعلم كطريق للتحرر من الجهل والتخلف. وعلى خطاه، سار الإمام محمد عبده، الذي أضاء بفكره العقول ودعا إلى الإصلاح الشامل، مؤكدًا أن الدين هو دعامة الحرية والعدل، وليس أداة للقمع أو التخلف.

في العصر الحديث، ظل الأزهر صامدًا أمام تقلبات السياسة وموجات التطرف. لعب الإمام عبد الحليم محمود دورًا بارزًا في ترسيخ قيم التسامح والاعتدال، مدافعًا عن الهوية المصرية في وجه كل محاولات التفرقة أو الاستقطاب. كما جاء الإمام أحمد الطيب النجار، ليكمل المسيرة، ويعيد للأزهر مكانته كقائد للفكر التنويري، جامعٍ بين التراث والحداثة.

الإمام أحمد الطيب، شيخ الأزهر الحالي، يمثل نموذجًا حيًا لما يمكن أن يكون عليه الأزهر في العصر الحديث. برؤيته الحكيمة، واجه تحديات سياسية وفكرية هائلة، متصديا لمحاولات التهميش والاستقطاب. مواقفه الوطنية والدينية تظل شاهدة على إدراكه العميق لدور الأزهر كمؤسسة جامعة، لا تسعى للسلطة ولا تتنازع مع أي عقيدة، بل تؤكد أن الدين لله والوطن للجميع.

إن الأزهر، بما يمثله من تراث فكري وحضاري، لم يكن يومًا في صف السلطة على حساب الشعب، بل كان دائمًا صوتًا للحق والمواطنة. في ثورة 1919، كان القمص سرجيوس، رمز الوحدة الوطنية، يخطب فوق منبر الأزهر، إلى جانب الشيخ محمود أبو العبر، في مشهد يؤكد أن الأزهر كان ولا يزال برلمان الأمة الحقيقي وممثلها في الأزمات الكبرى.

رغم كل التحديات، يظل الأزهر هو البيت الجامع لكل المصريين. بتعدد مدارسه الفقهية واتساع أفقه، يثبت يومًا بعد يوم أنه الحارس الأمين على الهوية الوطنية، والشريك الصادق لكل من يسعى للنهضة. فاللغة العربية، كإحدى ركائز الهوية المصرية، تجد في الأزهر حاضنًا ومرجعًا حيًا. كما أن دوره لا يتوقف عند القضايا الدينية، بل يمتد ليكون شريكًا في القضايا الثقافية والاجتماعية الكبرى.

علينا أن ندرك أن دعم استقلالية الأزهر الشريف هو واجب وطني وديني. فلا يمكن لهذه المؤسسة أن تؤدي رسالتها دون استقلال كامل عن هيمنة السلطات أو تدخل الجماعات. الأزهر هو رمز الاعتدال، وبيت المواطنة، وحارس التوازن في مجتمع متنوع مثل مصر.

إن التحية واجبة لكل من يعلي قيمة الوطن والمواطنة، ولكل من يحترم دور الأزهر الشريف كرمز للوحدة الوطنية ومرجعٍ للتسامح والتنوير. الأزهر ليس مجرد مؤسسة دينية، بل هو ضمانة الاستقرار والاعتدال، وهو الأمل في الحفاظ على روح مصر الجامعة التي تؤمن بأن الدين لله والوطن للجميع.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى