في ظل أزمة اقتصادية غير مسبوقة، يواصل الدولار الأمريكي رحلته التصاعدية أمام الجنيه المصري محققًا أرقامًا جديدة ومرتفعة في السوق المصرفي المصري، حيث سجل سعر صرف الدولار اليوم في بعض البنوك الكبرى أرقامًا قياسية.
كان بنك أبوظبي الإسلامي قد سجل أعلى سعر للدولار في مصر، حيث بلغ سعر البيع 49.75 جنيه، بينما سجل سعر الشراء 49.66 جنيه. هذه الزيادة الحادة في سعر الدولار تعكس الأوضاع الاقتصادية الراهنة التي يمر بها الاقتصاد المصري، والتي أدت إلى زيادة غير مسبوقة في الطلب على العملة الأمريكية، مع تزايد الأزمات في القطاعات الاقتصادية المختلفة، من التجارة إلى الاستثمار إلى السياحة.
على الرغم من محاولات الحكومة المصرية والبنك المركزي تدعيم الجنيه المصري عبر عدد من السياسات المالية، فإن تأثير هذه السياسات لم يكن كافيًا لمواجهة تزايد الطلب على الدولار في الأسواق المحلية. ويبدو أن عملية خفض قيمة الجنيه ستستمر، إذ يُتوقع أن تشهد العملة المحلية المزيد من التراجع في الأيام المقبلة في حال استمرت هذه الضغوط.
أسعار الدولار في البنوك المصرية
بالانتقال إلى أسعار الدولار في البنوك المصرية، فقد أظهرت أحدث البيانات أن جميع البنوك الكبرى تتجه نحو زيادة سعر بيع وشراء الدولار، ما ينعكس بشكل مباشر على حياة المواطن المصري الذي يعاني من زيادة في أسعار السلع والخدمات نتيجة هذا الارتفاع المستمر.
في البنك الأهلي المصري، والذي يعد من أكبر البنوك في البلاد، سجل سعر الدولار 49.60 جنيه للشراء، بينما بلغ سعر البيع 49.70 جنيه. أما في بنك القاهرة، فكان الوضع مشابهًا حيث سجل الدولار 49.60 جنيه للشراء و49.70 جنيه للبيع. وكذلك في البنك التجاري الدولي، الذي يعتبر من أبرز البنوك الخاصة، سجل سعر الدولار 49.60 جنيه للشراء و49.70 جنيه للبيع.
بنك البركة كان أيضًا في نفس المسار، حيث سجل الدولار 49.60 جنيه للشراء و49.70 جنيه للبيع. أما بنك قناة السويس، فقد سجل سعر الدولار عند 49.60 جنيه للشراء و49.70 جنيه للبيع. وفي بنك كريدي أجريكول، الذي يتمتع بشعبية كبيرة بين المستثمرين، كان سعر الدولار 49.61 جنيه للشراء و49.71 جنيه للبيع.
أخيرًا، بنك فيصل الإسلامي، الذي يعد من البنوك المعروفة في السوق المصري، سجل نفس الأسعار المتداولة في معظم البنوك، حيث بلغ سعر الدولار 49.60 جنيه للشراء و49.70 جنيه للبيع. هذه الأسعار، رغم التفاوت الطفيف بينها، تكشف عن تراجع مستمر في قيمة الجنيه أمام الدولار في أغلب البنوك.
التحويلات من المصريين في الخارج
من ناحية أخرى، شهدت تحويلات المصريين العاملين بالخارج زيادة ملحوظة خلال الفترة الأخيرة، ما يعكس استمرارهم في إرسال الأموال إلى أسرهم في مصر رغم الظروف الاقتصادية الصعبة. فقد أعلن البنك المركزي المصري عن قفزات متتالية في هذه التحويلات، حيث سجلت تحويلات المصريين العاملين بالخارج في شهر سبتمبر 2024 نحو 2.7 مليار دولار، مقارنة بنحو 1.3 مليار دولار في نفس الشهر من العام السابق 2023.
ووفقًا للبيانات الرسمية، شهدت التحويلات خلال الربع الأول من السنة المالية 2024/2025 (الفترة من يوليو إلى سبتمبر 2024) ارتفاعًا كبيرًا بمعدل 84.4%، حيث بلغت نحو 8.3 مليار دولار، مقابل نحو 4.5 مليار دولار في نفس الفترة من العام الماضي. هذا النمو الكبير في التحويلات يعكس زيادة إقبال المصريين المقيمين بالخارج على إرسال أموالهم إلى الوطن في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة، بالإضافة إلى الدعم الذي تقدمه الحكومة في بعض الأحيان للمغتربين، بما في ذلك حوافز تحويل الأموال من الخارج.
الأسباب والآثار المحتملة
ارتفاع سعر الدولار أمام الجنيه المصري لا يأتي من فراغ. فهناك عدة أسباب تساهم في هذه الظاهرة التي أصبحت سمة بارزة في الاقتصاد المصري. أولاً، يعاني الاقتصاد المصري من العديد من المشاكل البنيوية، بما في ذلك التضخم المرتفع، وزيادة الدين العام، وتراجع الاحتياطيات من النقد الأجنبي. كما أن الحكومة المصرية تواجه صعوبة في جذب الاستثمارات الأجنبية التي قد تساعد في تخفيف الضغط على العملة المحلية.
تتزايد الضغوط على الجنيه في ظل تقلبات أسواق النفط والمواد الخام عالميًا، بالإضافة إلى الحرب الروسية الأوكرانية التي أثرت بشكل كبير على الاقتصاد العالمي وأسواق السلع، ما انعكس بشكل سلبي على الاقتصاد المصري. في المقابل، فإن الطلب المتزايد على الدولار في السوق المحلية نتيجة للاعتماد الكبير على الواردات من الخارج، وخاصة في مجالات الغذاء والطاقة، يساهم في استمرارية الضغط على الجنيه.
تأثيرات الوضع الراهن على المواطن المصري
فيما يخص المواطن المصري، فإن ارتفاع سعر الدولار يؤدي إلى تزايد الضغوط المعيشية على الأسر، حيث يشهد السوق المصري زيادات غير مسبوقة في أسعار السلع الأساسية. فمع ارتفاع قيمة الدولار، تتصاعد أسعار المواد الغذائية والمنتجات المستوردة بشكل مباشر، ما يجعل الحياة اليومية أكثر صعوبة للمواطنين. هذا الوضع يضاعف من معاناة الفئات محدودة الدخل، الذين يواجهون صعوبة في توفير احتياجاتهم الأساسية بسبب التضخم الحاد.
كما أن القطاع العقاري يشهد تغيرات ملحوظة، إذ أن العديد من العقارات والمشروعات الاستثمارية التي تعتمد على المواد المستوردة تتأثر بشكل كبير من ارتفاع سعر الدولار. ومع زيادة تكاليف البناء، فإن الأسعار في سوق العقارات قد تتزايد أيضًا، ما يجعل الحصول على مسكن مناسب أمرًا صعبًا.
إن ارتفاع سعر الدولار أمام الجنيه المصري ليس مجرد حالة مؤقتة، بل هو نتيجة لتحولات اقتصادية عميقة تعيشها مصر في الوقت الراهن. الأزمة المالية الراهنة، التي تتمثل في تراجع قيمة الجنيه وارتفاع أسعار الدولار، لن تكون سهلة الحل في القريب العاجل. ورغم محاولات الحكومة المصرية لمواجهة هذه الأزمة، فإن التحديات ما تزال كبيرة، وهو ما يعكس ضرورة اتخاذ إجراءات جادة ومؤثرة لمعالجة الوضع الاقتصادي الراهن، إذا كان الهدف هو تحسين الأوضاع المعيشية للمواطن المصري في المستقبل.