المعتصم الكيلاني – المختص في القانون الجنائي الدولي
يُعتبر العنف ضد النساء أحد أكثر انتهاكات حقوق الإنسان شيوعًا واستمرارًا في العالم، رغم الجهود المحلية والدولية المبذولة لمكافحته. ويزداد هذا الموضوع أهمية مع إحياء العالم يوم 25 نوفمبر من كل عام اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة، حيث يتم تسليط الضوء على التحديات التي تواجه النساء حول العالم، وخصوصًا في العالم العربي، الذي لا تزال فيه النساء عرضة لأنماط معقدة من العنف، سواء من خلال الأطر السياسية والاجتماعية أو بسبب النزاعات المسلحة.
أشكال العنف ضد النساء في العالم العربي
1. العنف السياسي والمؤسسي
في العديد من الأنظمة الديكتاتورية بالعالم العربي، يُستخدم العنف ضد النساء كأداة لقمعهن ومنعهن من المشاركة في الحياة العامة. في بلدان مثل سوريا ومصر، واجهت النساء الناشطات سياسات ممنهجة من التهديد، والسجن، وحتى الاعتداء الجسدي والنفسي، بهدف كبح أصواتهن المطالبة بالحقوق المدنية. كما تُستخدم تهم مثل “الإخلال بالنظام العام” أو “المساس بالقيم الأخلاقية” لتبرير هذه الممارسات القمعية، مما يخلق بيئة معادية لأي محاولة للدفاع عن حقوق المرأة.
2. انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي
في الأراضي الفلسطينية ولبنان، تشهد النساء معاناة مزدوجة تحت الاحتلال الإسرائيلي، حيث يتم استهدافهن بشكل مباشر وغير مباشر. تتعرض النساء للاعتقالات التعسفية، والتحقيقات المهينة، والعنف الجنسي في بعض الحالات. فضلاً عن ذلك، يؤدي القصف والتدمير الممنهج للبنية التحتية إلى حرمان النساء من حقوقهن الأساسية في الصحة والتعليم، حيث يعشن في ظل ظروف إنسانية قاسية.
3. العنف الأسري والمجتمعي
لا يزال العنف الأسري واحدًا من أكثر أشكال العنف انتشارًا في العالم العربي. تُعاني النساء من الضرب، والإكراه الجنسي، والحرمان المالي داخل الأسرة، ويُعزز هذا الوضع غياب قوانين حماية المرأة أو تنفيذها بشكل ضعيف. إضافة إلى ذلك، يُمارس العنف المجتمعي في أشكال مثل التحرش الجنسي في أماكن العمل والشوارع، وهو ما يقيّد حرية النساء ويجبرهن على العيش في خوف دائم.
4. الاتجار بالبشر والزواج القسري
تشهد بعض الدول العربية ارتفاعًا في حالات الاتجار بالنساء، حيث يتم استغلالهن في أعمال قسرية أو تجارة الجنس. إلى جانب ذلك، ما زال الزواج المبكر والزواج القسري يشكلان تحديًا كبيرًا، حيث تُجبر الفتيات في سن صغيرة على ترك التعليم والدخول في علاقات زوجية تُنتهك حقوقهن في الاختيار والاستقلال.
العنف في مناطق النزاعات
في البلدان التي تشهد نزاعات، مثل السودان واليمن وسوريا وليبيا، تتعرض النساء للعنف بشكل مضاعف بسبب الأوضاع الإنسانية المتدهورة. يُستخدم العنف الجنسي أحيانًا كأداة حرب، ويُحرم النساء من الاحتياجات الأساسية مثل الغذاء والرعاية الصحية. إضافة إلى ذلك، يؤدي النزوح الجماعي واللجوء إلى وضع النساء في ظروف معيشية قاسية تزيد من تعرضهن للعنف والاستغلال.
آليات الحماية ودور المجتمع الدولي
1. الاتفاقيات الدولية
لعبت المعاهدات والاتفاقيات الدولية دورًا محوريًا في حماية حقوق المرأة، ومن أبرزها:
• اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (CEDAW): تُعتبر هذه الاتفاقية واحدة من الأدوات الأساسية لتعزيز المساواة بين الجنسين وتجريم العنف ضد النساء.
• إعلان القضاء على العنف ضد المرأة (1993): يركز على مسؤولية الدول في وضع سياسات قانونية لمكافحة العنف الجنسي والأسري، وضمان حق النساء في الحماية القانونية.
2. الجهود الإقليمية والمحلية
على الرغم من القصور، تبنت بعض الدول العربية قوانين لمحاربة العنف ضد النساء. في المغرب وتونس، تم إصدار قوانين جديدة لمكافحة العنف الأسري، وفي لبنان، أُنشئت مراكز لدعم النساء الناجيات من العنف. ولكن تظل هذه المبادرات قاصرة بسبب العوائق الثقافية والاجتماعية التي تُعيق التنفيذ الفعّال.
3. الحملات الإعلامية والدور المجتمعي
يقوم الإعلام بدور كبير في رفع الوعي حول العنف ضد النساء. ومن الأمثلة البارزة، حملة 16 يومًا من النشاط لمناهضة العنف ضد المرأة التي تدعمها الأمم المتحدة، حيث يتم خلالها تسليط الضوء على قصص النساء والتشجيع على اتخاذ خطوات إيجابية لإنهاء هذه الممارسات.
التحديات والآفاق المستقبلية
التحديات
غياب الإرادة السياسية: في العديد من الدول العربية، يفتقر صناع القرار إلى الإرادة الجادة لتغيير الأوضاع، حيث تتداخل المصالح السياسية مع الأعراف الاجتماعية الموروثة.
• العوائق الثقافية: تلعب التقاليد الاجتماعية دورًا كبيرًا في تطبيع العنف ضد النساء، مما يجعل التغيير الثقافي تحديًا أساسيًا.
• الأزمات الاقتصادية: تُساهم الأوضاع الاقتصادية المتردية في زيادة هشاشة النساء، حيث يُجبرن على قبول أوضاع غير آمنة لتلبية احتياجاتهن الأساسية.
الآفاق المستقبلية
• تعزيز التعليم والتوعية: يجب على الدول تعزيز برامج التعليم التي تُركز على المساواة بين الجنسين كوسيلة لتغيير المفاهيم الاجتماعية.
• دعم المبادرات النسوية: تحتاج المنظمات النسوية إلى دعم مادي ولوجستي أكبر لتوسيع نطاق عملها وتحقيق تأثير مستدام.
• التعاون الإقليمي والدولي: ينبغي تعزيز التعاون بين الدول العربية ومنظمات حقوق الإنسان العالمية لتبادل الخبرات وتنفيذ استراتيجيات شاملة لمكافحة العنف ضد النساء.
يُعد القضاء على العنف ضد النساء ضرورة أساسية لتحقيق العدالة والمساواة في العالم العربي. وفي هذا الإطار، تحتاج المجتمعات العربية إلى تغيير جذري في طريقة التعامل مع النساء، من خلال تعزيز دور القانون، وتشجيع التغيير الثقافي، وضمان حقوق النساء في كافة المجالات. هذا العمل يتطلب جهودًا متواصلة من الحكومات، والمجتمع المدني، والمؤسسات الدولية لتحقيق عالم آمن وعادل للجميع.