كشف تقرير حقوقي فلسطيني عن جرائم بشعة ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق الأطفال الفلسطينيين في قطاع غزة في ظل غياب تام للمساءلة الدولية، حيث تُجبر هذه القوات عشرات الآلاف من الأطفال على الهجرة القسرية وتتركهم في مهب الريح، بلا مأوى أو حماية بعد أن تسببت هجماتها الوحشية في قتل ذويهم وتشتيت أسرهم في ظروف غاية في القسوة.
إن هذا السلوك الإجرامي ليس حدثًا عابرًا، بل هو سياسة ممنهجة يتم تنفيذها بشكل مستمر دون مراعاة للقوانين الإنسانية أو الأخلاقية.
تجمع المؤسسات الحقوقية الفلسطينية، في تقرير صادم، أشار إلى تسجيل عشرات الحالات لأطفال أجبروا على النزوح من دون عائلاتهم، بعد أن فقدوا آباءهم وأمهاتهم نتيجة الهجمات العسكرية الإسرائيلية العشوائية التي تستهدف المنازل والأحياء السكنية دون تمييز. هؤلاء الأطفال يجدون أنفسهم فجأة وحيدين في مواجهة مصير مجهول، في ظل ظروف حياتية قاسية وانعدام أي شكل من أشكال الرعاية والحماية التي يفرضها القانون الدولي الإنساني.
ما وثقته طواقم تجمع المؤسسات الحقوقية من جرائم وانتهاكات لا يمكن تجاهله أو الصمت حياله. آلاف الحالات التي كان الأطفال ضحاياها، سواء بشكل مباشر جراء الإصابات والقتل، أو بشكل غير مباشر من خلال التهجير والتشريد والتجويع الممنهج. قوات الاحتلال لم تكتفِ بقتل الأبرياء بل تجاوزت ذلك إلى تجريدهم من أبسط حقوقهم الإنسانية، حيث شملت الانتهاكات جرائم القتل المتعمد والاعتداء الجسدي والنفسي على سلامة الأطفال، بالإضافة إلى الإهانات الممنهجة والضرب العنيف الذي يتعرض له الأطفال الفلسطينيون بشكل يومي.
التقرير ذكر بالأرقام المأساة الكبرى التي يتعرض لها أطفال قطاع غزة منذ بدء العدوان، حيث قتلت قوات الاحتلال أكثر من 17390 طفلا دون سن 18 عامًا، فيما أصيب 22110 آخرين بإصابات خطيرة، ويعاني معظمهم من نقص شديد في الأدوية والعلاج الطبي المناسب نتيجة الحصار الخانق الذي تفرضه قوات الاحتلال على القطاع، مما يمنع الأطفال المصابين من الحصول على الرعاية الطبية اللازمة.
أكثر من ذلك، تم تسجيل 1250 حالة بتر للأطراف بين الأطفال الذين تعرضوا لشظايا المقذوفات والصواريخ الإسرائيلية، وهو ما يعني أن هؤلاء الأطفال سيعيشون بقية حياتهم معاقين في ظل غياب أي أمل بالحصول على أطراف صناعية أو علاج يعيد لهم جزءًا من حياتهم الطبيعية. وفي سياق متصل، توفي 55 طفلاً نتيجة سوء التغذية والجفاف المتعمد، بفعل سياسة التجويع التي تنتهجها قوات الاحتلال كوسيلة من وسائل القمع والإذلال الجماعي ضد المدنيين الفلسطينيين.
لكن المأساة لا تتوقف هنا. التقرير الحقوقي يوثق وفاة 217 طفلًا حديثي الولادة نتيجة انقطاع التيار الكهربائي عن الحضانات، الأمر الذي تسبب في تدهور حالتهم الصحية لدرجة لا يمكن معها إنقاذ حياتهم، فضلًا عن النقص الحاد في الأدوية والمستلزمات الصحية الأساسية، والتي تعتبر ضرورية لضمان سلامة هؤلاء الأطفال. هذه الجرائم تمثل انتهاكًا صارخًا لكل القيم الإنسانية والقوانين الدولية، ولكنها تستمر بلا عقاب.
التقرير كشف أيضًا عن أن قوات الاحتلال الإسرائيلي لا تتوقف عند حدود القتل والتشريد، بل تمارس الاعتقال والتعذيب ضد الأطفال الفلسطينيين. عشرات الأطفال تم اعتقالهم خلال عمليات التوغل العسكرية الإسرائيلية في المدن والمخيمات بمحافظات غزة، أو أثناء مرورهم عبر الحواجز العسكرية التي تزرعها قوات الاحتلال في مختلف مناطق القطاع. هؤلاء الأطفال يتعرضون في السجون الإسرائيلية لأبشع أنواع التعذيب والإهانة، بما في ذلك الضرب والإذلال المتعمد الذي يهدف إلى تحطيم معنوياتهم وكسر إرادتهم، في مخالفة فاضحة لكل المواثيق الدولية التي تنص على حماية حقوق الأطفال وعدم تعريضهم للتعذيب والمعاملة غير الإنسانية.
أرقام التقرير تؤكد أن هناك 3500 طفل فلسطيني لا تعرف عائلاتهم أي شيء عن مصيرهم حتى الآن، مما يعني أنهم قد يكونون محتجزين في السجون الإسرائيلية أو تم قتلهم ودفنهم في مقابر سرية. وفي نفس السياق، ذكر التقرير أن 35 ألف حالة لأطفال يعيشون اليوم دون أحد والديهم أو كلاهما، بعدما فقدوا آباءهم في الهجمات العسكرية الإسرائيلية أو نتيجة السياسات العدوانية التي تمارسها قوات الاحتلال.
لا يمكن إغفال الجرائم المتعلقة بتجويع الأطفال. عشرات الآلاف من الأطفال في غزة يعانون من سوء التغذية المزمن بفعل الحصار المفروض على القطاع منذ سنوات، والذي جعل من المستحيل على الأسر تأمين الطعام الكافي والضروري لأطفالهم. هذه السياسة المتعمدة ليست مجرد نتيجة عرضية للحرب، بل هي وسيلة يستخدمها الاحتلال لإضعاف الشعب الفلسطيني وإخضاعه، من خلال استهداف الفئات الأضعف وهم الأطفال الذين يمثلون مستقبل هذا الشعب المقاوم.
ما يزيد من حدة هذه الجرائم هو إفلات الاحتلال الإسرائيلي المستمر من العقاب. لم تتم محاسبة أي مسؤول إسرائيلي عن هذه الجرائم الفظيعة التي ترقى إلى مستوى جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية. تجمع المؤسسات الحقوقية شدد في تقريره على ضرورة إنهاء حالة الإفلات من العقاب التي يتمتع بها الإسرائيليون منذ عقود، ودعا إلى إدراج سلطات الاحتلال بشكل دائم في قائمة العار السنوية التي تصدرها المنظمات الدولية للجهات التي تنتهك حقوق الأطفال.
إن ما يحدث في غزة من قتل وتشريد وتجويع الأطفال الفلسطينيين هو وصمة عار على جبين المجتمع الدولي الذي يقف صامتًا أمام هذه الجرائم، بل ويمنح الاحتلال الضوء الأخضر للاستمرار في ممارساته الوحشية بحق الشعب الفلسطيني دون رادع. بات من الضروري التحرك الفوري والعاجل لوقف هذا العدوان المتواصل ومحاسبة الجناة وضمان تقديمهم للعدالة، لأن السكوت على هذه الجرائم يعني السماح باستمرارها وإعطاء غطاء دولي للاحتلال ليمضي في جرائمه بحق الأطفال الفلسطينيين.