تقاريرمصر

استيراد البيض والكتاكيت ليس حلاً مستداماً للأزمة الحقيقية في صناعة الدواجن المصرية

مع التراجع الذي شهده سوق الدواجن في مصر في الفترة الأخيرة، تبقى معاناة المواطنين مستمرة رغم الانخفاضات الطفيفة التي طرأت على أسعار البيض والكتاكيت.

بينما لم يكن هناك أي أمل حقيقي في معالجة الأزمة جذريًا، نرى أن الحكومة المصرية قد اختارت الحلول السطحية في محاولة لاسترضاء السوق.

على الرغم من استيراد البيض والكتاكيت التركي، إلا أن هذا الإجراء لم يعد بمثابة حل طويل الأمد بل جاء كإجراء مؤقت يساهم في تقليل الأسعار لفترة زمنية قصيرة، في وقت أصبح فيه الشعب يعاني من ارتفاعات أسعار غير مبررة أدت إلى تدهور القدرة الشرائية للمواطن.

أزمة قطاع الدواجن في مصر تفاقمت بسبب تدني الإنتاج المحلي وزيادة الفجوة بين العرض والطلب. فإنتاج البيض اليومي في مصر يصل إلى 26 مليون بيضة، بينما الاستهلاك يتجاوز 30 مليون بيضة يوميًا، مما يخلق فجوة تصل إلى 4 ملايين بيضة يوميًا، ومن ثم تظل السوق بحاجة إلى استيراد كميات إضافية لسد العجز، وهو ما يعكس ضعف التخطيط الحكومي. على الرغم من وصول كميات البيض المستورد إلى السوق، حيث تم استيراد 30 مليون بيضة، فإن هذه الكميات لا تشكل سوى 7 أيام فقط من الاستهلاك المحلي.

وبذلك يبقى سؤال الأزمة الكبرى عالقًا: لماذا لم تتخذ الحكومة خطوات حقيقية لحل المشكلة من جذورها؟ إن ما يحدث الآن هو مجهودات محدودة من الحكومة لا تتعدى كونها إجراءات ترقيعية غير فعالة في التعامل مع أزمة مستمرة تتفاقم يومًا بعد يوم.

لقد عجزت الحكومة عن اتخاذ قرارات حاسمة لتطوير هذه الصناعة الحيوية، ما أدى إلى انهيار الكثير من مشروعات الإنتاج الصغيرة التي كانت تشكل العمود الفقري لهذه الصناعة. قرار الحكومة بالاستيراد كان خطوة في الاتجاه الخاطئ، ولم يترافق مع أي إجراءات واضحة لدعم الإنتاج المحلي أو اتخاذ تدابير حقيقية لمعالجة المشاكل البنيوية التي تعاني منها صناعة الدواجن.

في حين تراجعت أسعار الكتكوت والبيض بشكل نسبي، إلا أن هذه التراجعات لم تكن سوى تحرك مؤقت نتج عن الإجراءات السطحية التي اتخذتها الحكومة عبر استيراد المنتجات من الخارج. على الرغم من انخفاض سعر الكتكوت بنسبة 40% والبيض بنسبة 20%، إلا أن هذه التحركات لن تؤدي إلى استقرار في السوق المحلي أو حل جذري للأزمة، بل ستظل الأسعار مرشحة للارتفاع في المستقبل إذا لم يتم التدخل لحل المشاكل الهيكلية التي يعاني منها القطاع.

علاوة على ذلك، فإن القطاع الزراعي، الذي يعتبر من الدعائم الأساسية للاقتصاد المصري، يعاني من سيطرة شركات كبيرة على السوق التي تتحكم في الأسعار بطريقة غير مبررة. حيث يتم فرض أسعار مرتفعة على المستهلك، وهو ما يوضح فشل الحكومة في فرض رقابة حقيقية على هذه الشركات. الوضع الحالي لا يعكس إلا احتكارًا مفضوحًا يتحكم فيه كبار المنتجين، الذين يحددون الأسعار بما يناسبهم، ما يضاعف من معاناة المواطن المصري.

من جهة أخرى، تتفاقم أزمة الأعلاف التي تعد أحد الأسباب الرئيسة لارتفاع تكاليف الإنتاج، إذ تشهد مصر عجزًا كبيرًا في إنتاج الأعلاف اللازمة، ما يدفع الحكومة إلى استيراد كميات ضخمة من الذرة وفول الصويا، ما يرهق ميزانية الدولة ويزيد من تكاليف الإنتاج المحلي. وبالرغم من أن أسعار الأعلاف تمثل الجزء الأكبر من تكلفة الإنتاج، فإن الحكومة لم تتخذ أي خطوات جدية لتقليص هذا العجز أو لتحفيز إنتاج الأعلاف محليًا، بل تواصل الاعتماد على الاستيراد الذي يعمق الأزمة الاقتصادية.

وفي ظل هذه الفوضى، يبقى المنتجون المحليون في وضع صعب، خاصة صغار المربين الذين يعجزون عن المنافسة في ظل احتكار السوق من قبل الكيانات الكبيرة. هذا الوضع خلق حالة من الركود في الإنتاج المحلي، ما أدى إلى توقف العديد من صغار المنتجين عن العمل بسبب ارتفاع أسعار الأعلاف وتكاليف الإنتاج، بينما تتوسع الشركات الكبرى في السيطرة على السوق. إن غياب الدعم الحقيقي لهذه الفئة يعكس تقاعس الحكومة عن إيجاد حلول فعالة وواقعية للأزمة.

ما يزيد الطين بلة هو أن الحكومة لم تضع ضوابط حقيقية للممارسات الاحتكارية، وهو ما أدى إلى استمرار المشكلة بشكل مريب. يجب على الحكومة أن تتحرك بشكل سريع لوضع آليات لضبط الأسعار ومراقبة السوق بشكل دقيق، واتخاذ خطوات فعلية للحد من جشع كبار المنتجين.

وبينما تتزايد الأعباء على المواطن، يبدو أن الحلول المقدمة من الحكومة لا تفي بالغرض. فمن جهة، لا تساهم سياسة الاستيراد في حل المشكلة بشكل جذري، ومن جهة أخرى، تواصل الدولة تراجعها في معالجة مشاكل قطاع الإنتاج الحيواني والداجني، في ظل غياب رؤية استراتيجية تركز على تطوير هذا القطاع المهم الذي يساهم بشكل أساسي في تأمين احتياجات المواطن المصري.

وإذا كانت الحكومة جادة في تحقيق نتائج ملموسة وفعالة، فإنها يجب أن تتخذ خطوات حاسمة لدعم المزارع المحلية، وتوفير الأعلاف بأسعار معقولة، وتحفيز صغار المربين على العودة إلى النشاط الإنتاجي من خلال توفير تمويلات ميسرة. كما يجب أن يتم العمل على إنشاء بنية تحتية تتيح للأسواق المحلية التوسع في الإنتاج، وفرض رقابة مشددة على السوق لضمان استقرار الأسعار وتحقيق التوازن بين العرض والطلب.

ويبقى أن نقول إن أزمة قطاع الدواجن في مصر هي أزمة ذات أبعاد هيكلية عميقة، ولا يمكن حلها بحلول مؤقتة أو استيراد بضائع من الخارج. على الحكومة أن تتحمل المسؤولية كاملة وتضع خطة طموحة ومستدامة للنهوض بهذه الصناعة التي تأثرت بشدة نتيجة لعدم وجود رؤية استراتيجية واضحة تدعم الإنتاج المحلي وتلبي احتياجات السوق.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى