كندا تحذر من التوسع الصيني في القطب الشمالي وتتهم بكين بالتجسس الاستراتيجي
أعربت كندا عن قلقها البالغ بشأن الأنشطة المتزايدة التي تقوم بها الصين في منطقة القطب الشمالي ووجهت إليها اتهامات متصاعدة بجمع المعلومات الاستخباراتية في تلك المنطقة الاستراتيجية.
في تصريحات أدلى بها وزير الدفاع الكندي ويليام بلير خلال منتدى أمني في مدينة هاليفاكس الكندية، شدد على أن النشاطات الصينية في المنطقة تتجاوز مجرد الدراسات العلمية إلى عمليات استراتيجية تهدد الأمن الوطني الكندي وتستهدف تحقيق مصالح جيوسياسية في المنطقة.
الوزير بلير لم يتوان عن تحميل بكين مسؤولية توسيع نفوذها في القطب الشمالي عبر أساليب متعددة تهدد استقرار المنطقة وتعرض مصالح كندا للخطر.
وقال بلير بوضوح إن الصين تستخدم طريقتين رئيسيتين لزيادة وجودها في المنطقة القطبية الشمالية، أولاهما الضغط الاقتصادي والاستثمارات في البنية التحتية الحيوية في المنطقة التي تمتلك أهمية اقتصادية وأمنية بالغة بالنسبة لكندا. أما الطريقة الثانية فهي تلك التي تزعم الصين أنها تتم من خلال الأبحاث العلمية. وذهب بلير إلى أبعد من ذلك حين أكد أن هذه الأنشطة لا تقتصر على مجرد الأبحاث، بل تشمل كذلك محاولات لخرق القطب الشمالي عبر رسم خرائط قاع البحر بهدف جمع معلومات حساسة ذات طابع استخباراتي. مثل هذه الأنشطة ليست مجرد خطوة للبحث العلمي كما تدعي الصين، بل جزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى تعزيز النفوذ الصيني في هذه المنطقة الهامة.
وأضاف بلير أن الأنشطة الصينية في المنطقة آخذة في النمو بشكل ملحوظ، مؤكداً أن تزايد الحضور الصيني ليس محصوراً في الأبحاث العلمية كما يتم الترويج له، بل هو جزء من خطة متكاملة لاكتساب السيطرة على هذه المنطقة الحيوية. هذه الأنشطة تتنوع بين جمع البيانات الاستخباراتية إلى عمليات أخرى تهدف إلى التأثير على موازين القوى في القطب الشمالي. وقد وصف بلير تلك الأنشطة بأنها تهديد حقيقي للأمن القومي الكندي الذي يحتاج إلى تحرك عاجل لمواجهته.
وفي هذا السياق، تناول الوزير الكندي التفاوت الكبير في القوة الاقتصادية والعسكرية بين كندا وروسيا فيما يتعلق بالوجود في القطب الشمالي، معرباً عن أسفه الشديد لتأخر كندا في الاستثمار في هذه المنطقة الاستراتيجية مقارنة بجارتها الروسية. وأوضح بلير أنه بينما تمتلك روسيا 17 ميناء على سواحل المحيط المتجمد الشمالي، فإن كندا تفتقر إلى أي موانئ مماثلة، مما يعكس فجوة كبيرة في القدرة على التحكم والتأثير في المنطقة. هذه الفجوة تعني أن كندا تظل في موقع ضعف في مواجهة روسيا والصين على حد سواء في هذه المنطقة التي يتزايد فيها الاهتمام الدولي بشكل غير مسبوق.
من الواضح أن التحديات التي تواجها كندا في القطب الشمالي تتطلب استجابة قوية وجادة. فقد أكد بلير أن الوضع الراهن لا يمكن أن يستمر، مشدداً على ضرورة العمل بشكل أفضل وأسرع لمواجهة تهديدات الأعداء المحتملين مثل الصين وروسيا. هذه الدعوة للتغيير ليست مجرد كلام سياسي بل هي دعوة إلى اتخاذ إجراءات ملموسة على الأرض في الوقت الذي تتزايد فيه الأطماع الدولية في المنطقة.
كما أشار بلير إلى أن الأنشطة الصينية في المنطقة القطبية الشمالية تتزايد بشكل ينذر بالخطر، مؤكداً على أن على كندا أن تتحرك لتطوير قدراتها في تلك المنطقة. هذه التهديدات لا تقتصر على مجرد القضايا العسكرية، بل تشمل أيضاً تهديدات اقتصادية وتجارية في حال استمرت الصين في الحصول على موطئ قدم في هذه المنطقة الحيوية. وفي ظل هذا التوسع الصيني المتسارع، فإن كندا تواجه تحديات صعبة في الحفاظ على سيادتها واستقلالها في منطقة ذات أهمية استراتيجية عالية.
في هذا السياق، تتزايد المخاوف من أن تصبح القطب الشمالي نقطة صراع دولي مستقبلاً، خاصة في ظل الاهتمام المتزايد من قبل القوى الكبرى مثل روسيا والصين. هذه القوى ليست فقط تسعى إلى تعزيز وجودها في القطب الشمالي من خلال الأنشطة الاقتصادية والعسكرية، بل تسعى أيضاً إلى الحصول على نفوذ استراتيجي في منطقة تعتبر مصدراً مهماً للموارد الطبيعية مثل النفط والغاز.
تواجه كندا اليوم معركة من نوع جديد لا تقتصر على الدفاع عن أراضيها، بل تشمل أيضاً التحديات الاقتصادية والتجارية في ظل التنسيق بين روسيا والصين لتوسيع وجودهما في المنطقة القطبية الشمالية. ولذلك، فإن وزير الدفاع الكندي لم يتردد في التأكيد على ضرورة التكيف مع هذه التحديات المعقدة التي تتطلب تعزيز قدرات كندا العسكرية والاقتصادية في القطب الشمالي لضمان عدم تفوق أي طرف آخر عليها.
يجب على كندا أن تتحرك بسرعة، وأن تبدأ بتطوير خطط جديدة للاستثمار في البنية التحتية للقطب الشمالي. ويجب على الحكومة الكندية أن تكون أكثر قدرة على الرد بشكل فعال على التهديدات التي تشكلها الأنشطة الصينية والروسية في المنطقة. هذا الأمر يتطلب تخطيطاً استراتيجياً متكاملاً يشمل بناء المزيد من الموانئ، وتعزيز التعاون الدولي مع الحلفاء في المنطقة مثل الولايات المتحدة، فضلاً عن تعزيز القدرة العسكرية لضمان السيطرة على المنطقة وحمايتها من أي أطماع خارجية.