الحكومة المصرية تغض الطرف عن فساد الحضانات وارتفاع الأسعار يعرض الأطفال لأخطار كبيرة
تعتبر دور الحضانة من أهم المؤسسات في حياة الأسر المصرية، فبجانب كونها ملاذًا للأمهات العاملات، فهي المكان الذي يتعلم فيه الأطفال أساسيات الحياة والتربية الاجتماعية.
ولكن مع مرور الوقت، تحول الوضع إلى أزمة معقدة تعكس صورة معتمة عن واقع الحضانة في مصر، بدءًا من تقاعس الحكومة عن مراقبة وتنظيم هذا القطاع، وصولًا إلى ارتفاع أسعار خدمات الحضانة بشكل غير مبرر، وتفشي الفساد داخل العديد من هذه المؤسسات، ما يعرض الأطفال للخطر في أكثر مراحل حياتهم حساسية.
الأحداث الأخيرة التي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي عقب حادثة ضرب طفلة في إحدى دور الحضانة في محافظة الغربية تُعد خير دليل على التدهور الكبير الذي يعاني منه قطاع الحضانات في مصر.
الحادث الذي وقع في إحدى الحضانات الخاصة، حيث تم ضرب طفلة صغيرة على رأسها بعصا خشبية من قبل إحدى العاملات في الحضانة، كشف بوضوح عن حجم الانتهاكات التي يتعرض لها الأطفال في الأماكن التي من المفترض أن تكون آمنة لهم.
ورغم أن الوزارة المعنية قد أعلنت عن التحقيق في الواقعة، وفصل المعلمة المتورطة، إلا أن هذا لم يكن إلا القليل في ظل انتشار مثل هذه الحوادث في أماكن أخرى عديدة دون أي رادع.
ارتفاع الأسعار وجشع أصحاب الحضانات
في ظل الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، يُظهر الواقع كيف تستغل بعض الحضانات الخاصة احتياج الأسر لخدمات رعاية الأطفال. إذ ارتفعت أسعار الحضانات بشكل غير مبرر، حيث يتراوح سعر الاشتراك الشهري في بعض الحضانات المرخصة بين 2000 إلى 10 آلاف جنيه، فيما تزداد الأسعار في الحضانات غير المرخصة التي تلجأ إليها بعض الأسر بسبب عدم قدرتها على دفع المبالغ الطائلة.
هذا التضخم في الأسعار لا يتوقف عند حدود الاشتراك فقط، بل يمتد إلى ما يُسمى “السبلايز” أو الأدوات المدرسية التي تتبعها الحضانات أيضًا، لتزيد العبء على الأسر بشكل متسارع.
العديد من الأمهات العاملات يعانين من الارتفاع الجنوني لأسعار هذه الحضانات، مما يجعلهن مضطرات للاختيار بين خيارات محدودة وأحيانًا غير آمنة.
فالبحث عن حضانات بأسعار معقولة يدفع بعض الأمهات إلى اللجوء إلى الحضانات غير المرخصة، رغم علمهن بالمخاطر الصحية والنفسية التي قد يتعرض لها أطفالهن في هذه الأماكن.
قوانين معطلة وحقوق مهضومة
ما يزيد الطين بلة هو تقاعس الحكومة عن تنفيذ القوانين التي من المفترض أن تحمي حقوق المرأة العاملة وطفلها. رغم أن هناك نصوصًا قانونية واضحة تلزم المؤسسات بإنشاء دور حضانة لتوفير الرعاية لأطفال العاملات، إلا أن هذه القوانين لا تجد طريقها للتنفيذ على أرض الواقع.
قانون العمل ينص في مادته 96 على إلزام المنشآت التي تستخدم أكثر من 100 عاملة بتوفير دار حضانة تابعة لها، كما يشترط قانون الطفل على أصحاب العمل توفير خدمات رعاية أطفال العاملات في المنشآت الأقل من 100 موظفة عن طريق التعاون مع منشآت أخرى. ولكن، وكالعادة، تبقى هذه القوانين حبراً على ورق، ولا تجد أي تطبيق فعلي.
غالبًا ما يتم التغاضي عن تطبيق هذه القوانين، ما يجعل المؤسسات الخاصة تستغل حاجة المرأة العاملة وارتفاع تكاليف الحياة لتفرض رسومًا مبالغًا فيها على الحضانات.
والأسوأ من ذلك أن الرقابة على هذه الحضانات غائبة، ما يفتح المجال أمام العديد من المخالفات والتجاوزات التي تعرض الأطفال للخطر.
الحضانات المنزلية “غير المرخصة”
تعد الحضانات المنزلية واحدة من أكثر الخيارات شيوعًا بين الأسر، خاصة في ظل ارتفاع الأسعار في الحضانات الخاصة. ورغم أن هذه الحضانات قد تكون أقل تكلفة، إلا أنها تأتي مع مخاطر كبيرة بسبب غياب الرقابة عليها، وعدم تأهيل العاملين بها للتعامل مع الأطفال بشكل صحيح.
في العديد من الحالات، تكون هذه الحضانات مجرد شقق سكنية تم تحويلها إلى مكان لرعاية الأطفال بدون أدنى متطلبات الأمان أو التنظيم، مما يعرض الأطفال لمخاطر صحية ونفسية.
التأثيرات السلبية على الطفل
المشاكل التي يعاني منها قطاع الحضانة في مصر لا تقتصر فقط على جانب الأسعار أو الرقابة، بل تمتد أيضًا إلى التأثيرات السلبية على الأطفال أنفسهم. فالحضانة ليست فقط مكانًا للاحتفاظ بالطفل طوال اليوم، بل هي مرحلة مهمة في تشكيل شخصيته وتعلمه.
الأطفال في سن مبكرة يتأثرون كثيرًا ببيئة الحضانة التي يتواجدون فيها، سواء من الناحية النفسية أو الاجتماعية أو التعليمية. وإذا كانت هذه البيئة غير مؤهلة، فإنها قد تترك آثارًا سلبية على سلوك الطفل ومستواه الدراسي مستقبلاً.
عندما لا تتوافر الظروف الصحية المناسبة في الحضانة، أو عندما يتعامل العاملون مع الأطفال بعنف أو إهمال، فإن ذلك ينعكس على صحة الطفل البدنية والنفسية. مع مرور الوقت، يمكن أن يؤدي هذا الإهمال إلى مشاكل سلوكية كبيرة، قد يصعب معالجتها بعد ذلك.
غياب الرقابة وتجاهل الحقوق
على الرغم من القوانين التي يجب أن تنظم عمل الحضانات في مصر، إلا أن غياب الرقابة الفعالة من قبل الجهات المعنية يجعل من الصعب محاسبة المخالفين.
وزارة التضامن الاجتماعي، المسؤولة عن تنظيم عمل الحضانات، لا تقوم بدورها بشكل كافٍ، ما يفتح المجال أمام الفساد داخل هذا القطاع. ففي العديد من الحالات، يتم فتح حضانات غير مرخصة بدون أي تفتيش أو متابعة من الجهات الحكومية، مما يعرض الأطفال للخطر.
الغريب في الأمر أن الحكومة لا تبذل جهدًا حقيقيًا لمواجهة هذا الوضع، بل تكتفي بإصدار قرارات شكلية دون أن تضمن تنفيذها على أرض الواقع.
حتى القوانين التي وضعتها الدولة لتوفير حضانات في المؤسسات لم تساهم في حل الأزمة، بل تركت المجال مفتوحًا أمام القطاع الخاص الذي يستغل الوضع بشكل غير قانوني.
دعوات لتوفير حضانات حكومية
في الوقت الذي تشهد فيه العديد من الحضانات الخاصة ارتفاعًا غير مبرر في الأسعار، تزداد الدعوات من قبل الأمهات والحقوقيين إلى ضرورة توفير حضانات حكومية بمصاريف رمزية، كما هو الحال مع المدارس الحكومية.
فوجود حضانات حكومية يسهم في تخفيف العبء المالي عن الأسر، ويضمن مستوى أعلى من الأمان والكفاءة للأطفال. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تساهم هذه الحضانات في تقليل الفجوة بين الطبقات الاجتماعية، وتوفير فرص تعليمية جيدة للأطفال من مختلف الخلفيات.
وتؤكد العديد من الخبراء أن استثمار الحكومة في توفير هذه الحضانات سيكون له فوائد اقتصادية واجتماعية كبيرة، حيث يمكن أن يسهم في زيادة إنتاجية الأمهات العاملات، ويمنحهن الفرصة للمشاركة بشكل أكبر في سوق العمل.
هل من حل؟
تستمر أزمة الحضانات في مصر في التأزم بسبب التقاعس الحكومي والفساد المستشري داخل العديد من المؤسسات الخاصة. في ظل غياب الرقابة وضعف تنفيذ القوانين، لا تزال الأمهات العاملات والأطفال في دائرة الخطر المستمر.
والأمل يبقى في الحكومة أن تتحرك بسرعة لتفعيل القوانين، وتوفير حضانات حكومية تضمن الرعاية الآمنة للأطفال، وتحمي حقوق المرأة العاملة في المجتمع.