في خطوة قانونية كان من المفترض أن تُحدث تغييرًا جوهريًا في العلاقة بين المالك والمستأجر فإن المحكمة الدستورية العليا في مصر أعلنت في التاسع من نوفمبر 2024 قرارًا تاريخيًا بعدم دستورية المادتين الأولى والثانية من القانون رقم 136 لسنة 1981 الذي ينظم العلاقة بين المالك والمستأجر في الأماكن السكنية مما يعكس فشلًا ذريعًا للحكومة المصرية في التعامل مع هذا الملف الشائك والذي استمر لعقود من الزمن،
وبينما كان من المفترض أن يُعدّ هذا القرار بمثابة بداية مرحلة جديدة من العدالة الاجتماعية إلا أن الواقع يشير إلى أن الحكومة ستواصل تقاعسها في إصلاح هذا الملف الحساس.
الحكم الذي أصدرته المحكمة الدستورية العليا يعتبر خطوة قانونية هامة حيث أكدت المحكمة أن استمرارية تحديد القيمة الإيجارية للعديد من الوحدات السكنية القديمة لا يتوافق مع أحكام الدستور المصري خاصة في ظل الظروف الاقتصادية التي يعاني منها المواطنون وارتفاع معدلات التضخم والغلاء العام.
هذا الحكم كان يهدف إلى إعادة التوازن إلى العلاقة بين المالك والمستأجر لكن الحكومة المصرية التي تعودت على تجاهل مطالب المواطنين لم تستطع أن تُظهر أي تحرك فعلي يعكس نوايا حقيقية لتغيير الوضع القائم.
الحكومة لا تزال عاجزة عن سن قوانين تحل الأزمة المزمنة لعقود الإيجار القديم التي خلقت واقعًا اجتماعيًا خاطئًا جعل الإيجار بمثابة ملكية مما أثقل كاهل المالكين وغير المالكين على حد سواء دون أن تطرأ تغييرات حقيقية على الوضع، بل باتت هذه العقود عائقًا أمام التقدم والتنمية في البلاد.
الحكومة بدلًا من أن تتحرك بشكل سريع وحاسم لمعالجة هذه الإشكالية وتوفير حلول تحفظ حقوق كافة الأطراف فإنها تُعزز هذا الوضع الفاسد الذي لا يصب في مصلحة أي طرف من الأطراف المعنية.
هذا الحكم التاريخي كان بمثابة الضوء الذي يفتح الباب لتعديل قانون الإيجارات القديم وإصلاح القوانين التي تسببت في تهميش حقوق المالكين وخلق مشاكل اجتماعية كبيرة،
حيث من المفترض أن يُقدم مجلس النواب مشروعًا لتعديل هذا القانون خلال فترة لا تتجاوز الثمانية أشهر القادمة إلا أن المؤشرات الحالية تؤكد أن هذا التعديل لن يحدث بالشكل الفاعل والمناسب بل سيكون مجرد إجراء شكلي لا يقدم حلولًا جذرية تُحل الأزمة.
الملاحظ أن الحكومة لم تقدم أي تبريرات واضحة لتقاعسها في اتخاذ خطوات جدية منذ إصدار هذا الحكم رغم أن المشكلة متجذرة في المجتمع منذ سنوات طويلة. كما أن الحكومة لم تقدم أي تشريعات فعلية تهدف إلى تصحيح مسار عقود الإيجار القديمة أو ضمان حقوق المالكين والمستأجرين في الوقت ذاته.
وعلى الرغم من أن الخبراء قد أشاروا إلى أن عقود الإيجار القديمة تحتاج إلى تعديل جذري إلا أن الحكومة تفضل التلاعب في التفاصيل في محاولة لاسترضاء كافة الأطراف دون أن تبذل جهدًا حقيقيًا لإيجاد حلول واقعية وفعالة.
القوانين الحالية رغم محاولات البعض تحديثها إلا أنها لا تزال مليئة بالثغرات التي تؤدي إلى استمرار الاستغلال من بعض المستأجرين الذين يدفعون قيم إيجارات لا تتناسب مع القيمة السوقية الحقيقية للوحدات السكنية.
وفي الوقت ذاته، يعاني الملاك من تدهور قيمة عقاراتهم وضعف العائد الإيجاري مما يشير إلى خلل حاد في العدالة الاقتصادية في البلاد، وهذه مسألة تتحمل الحكومة مسؤوليتها بشكل كامل فهي ترفض أو تتقاعس عن اتخاذ قرارات حاسمة لحل هذه المعضلة التي تؤثر في كافة الطبقات الاجتماعية.
ورغم أن لجنة الشؤون الدستورية في مجلس النواب قد بدأت العمل على وضع معايير جديدة لتحديد قيمة الإيجار على ضوء الحكم القضائي الأخير إلا أن هذه المعايير تظل محكومة بجو من الغموض والتباطؤ الحكومي.
التوجهات التي تروجها الحكومة لا تبشر بإصلاح حقيقي بل توحي بأن الحكومة ستحاول الهروب من مسؤوليتها عبر حلول شكلية لن تغير من الوضع الراهن بشكل جذري.
قد تتجه الحكومة إلى استخدام التقييمات الضريبية العقارية كمرجعية لتحديد الإيجار في مناطق معينة لكن هذه الحلول لن تؤدي إلى التوازن المطلوب في سوق الإيجارات.
وإذا كانت الحكومة جادة في تنفيذ هذا التعديل فمن المفترض أن تُراعي قيمة العقارات في المناطق المختلفة مثل المناطق الراقية مثل الزمالك التي لا يمكن مقارنة أسعار الإيجار فيها بتلك في المناطق الشعبية مثل بولاق الدكرور ولكن مع الأسف، الحكومة تهدر الفرص لتقديم حلول شاملة وعادلة تنقذ المواطنين من هذه الفوضى العقارية التي تضر بمصالح الجميع.
الحديث عن إصدار قانون شامل ينظم الإيجارات القديمة هو حديث لا طائل من ورائه في ظل الحكومة الحالية التي أثبتت فشلها في معالجة قضايا حيوية تتعلق بحياة المواطنين اليومية.
فالوعود الحكومية بتشريع جديد في هذا الملف لن تكون أكثر من مجرد محاولات لتخفيف الضغط الإعلامي عليها وليس أكثر.
والحكومة المصرية تبدو غير قادرة على مواجهة هذه المشكلة بجدية تامة فهي لم تقدم أي حلول حقيقية تضمن حقوق كافة الأطراف المعنية بينما تزداد الأزمة تفاقمًا من يوم لآخر في غياب الإرادة السياسية للتغيير.