إننا عندما نذكر اسم النبي محمد ﷺ، سرعان ما تتداعى إلى أذهاننا صور الرحمة، العدل، والإحسان. هو الذي قاد الأمة بتعاليمه النبيلة، فأصبح مرجعاً للمسلمين في كل زمان ومكان، نموذجاً للإنسانية بكل معانيها. وإذا كان هناك من يتجرأ على مقارنة نفسه بهذا الرجل العظيم، فإننا نضع أيدينا على قلوبنا، نتساءل: كيف يمكن لمثل هذه المقارنة أن تحدث؟ وهل يعقل أن يقارن شخص مثل عبد الفتاح السيسي نفسه بنبي الرحمة؟
عندما يذكر السيسي في إحدى تصريحاته كلمات مثل “هم يومين تلاتة وحننزل القبر”، ويقارن قوله بكلمات النبي ﷺ عندما قال للسيدة فاطمة: “لا كرب على أبيك بعد اليوم”، يعتقد أنه ينطق بتواضع يستحق الإعجاب. لكن إذا نظرنا للأفعال التي ترافق هذه الكلمات، فإن الحقيقة تكون مغايرة تماماً.
النبي محمد ﷺ كان رمزا للإنسانية بكل معانيها. عندما كان يرى يتيماً، كان يحتضنه ويواسيه. وعندما كان يرى مظلوماً، كان ينصره بغض النظر عن دينه أو لونه. فقد كان يُعلّمنا أن العدل هو أساس الحياة، وأن الحق لا يتجزأ. وعندما دخل مكة منتصراً، وقف أمام أعدائه الذين أخرجوه من وطنه وقال لهم: “اذهبوا فأنتم الطلقاء”، كان يعلم العالم درساً عظيماً في العفو والتسامح.
أما السيسي، فالأفعال تتناقض مع الكلمات. عندما خرج الشباب المصري للتظاهر، قابلهم بالرصاص. وعندما تحدّث الناس عن الظلم، حوّلهم إلى السجون، ليسجن معهم الأمل والطموح. في ظل حكمه، أصبح السجون مليئة بالمعتقلين الذين لا ذنب لهم سوى أنهم طالبوا بحقوقهم أو انتقدوا سياساته. لا يكاد يمر يوم إلا ويزداد الجوع والفقر بين المصريين، بينما يرد عليهم بتصريحات فارغة مثل “صباح على مصر بجنيه”، ويتركهم يواجهون مصيرهم في صمت، دون أن يقدم لهم حلاً حقيقياً.
لكن الأشد وقاحة هو مقارنة نفسه بالنبي ﷺ، الذي كان يخدم شعبه بكل تواضع ويفكر في مصالحهم قبل مصالحه. السيسي، بعكس ذلك، يفرض القمع ويقتل الأبرياء، بينما يقول إنه يسير على خطى النبي ﷺ. فهل يعقل أن يكون القائد الذي يفرق شعبه ويزيد من شقاءهم، مقارنة بالنبي الذي وحد أمة الإسلام وأعطاها درساً في العدالة والمساواة؟
إنه من السهل أن يقول السيسي ما يشاء، ولكن الفعل هو الذي يثبت الحقيقة. فلو كان صادقاً في حديثه، لكان قد بدأ بفتح السجون وإعادة الحقوق لأصحابها. لكان قد اعترف بأخطائه وسعى لإصلاح ما أفسده. ولكن في ظل الواقع الذي نعيشه، تبقى كلمات السيسي مجرد محاولات يائسة لإظهار نفسه في صورة لا تنتمي إليه، تماماً كما هي محاولات الظالمين عبر التاريخ، الذين يعتقدون أن الأيام ستظل في صالحهم. ولكن الحقيقة الواضحة هي أن يوم الظالم لا بد أن ينقضي، مهما طال الزمن.
نحن أمام حالة فريدة، حيث نرى أن المقارنة بين شخص مثل النبي محمد ﷺ والسيسي هي محاولة مستحيلة لربط اسمين لا يمكن أن يجتمعا في جملة واحدة. فالأفعال هي التي تحدد من نحن، وليس الكلمات التي لا تحمل سوى وعود زائفة. “وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون”.