تتفاقم المآسي في القرى المصرية نتيجة لتدهور الخدمات الأساسية والغياب التام للتدخلات الحكومية، الأمر الذي يجعل حياة السكان أشبه بالجحيم.
تعيش القرى تحت وطأة العزلة، حيث يعاني السكان من انعدام البنية التحتية، ويشكون من غياب الخدمات الصحية، وتهالك الطرق، وتفشي الأمراض نتيجة تردي نظم الصرف الصحي.
على الرغم من إطلاق المبادرات الحكومية التي تدعي تحسين الأوضاع المعيشية، إلا أن كثيرًا من القرى لم تشهد أي تغيير يذكر.
ومن خلال رصد موقع “أخبار الغد” الوضع في عدة محافظات، يتضح حجم الفساد والإهمال الحكومي المتجذر، مما حول حياة الأهالي إلى كابوس يومي.
الإسكندرية: قرية الحرية تغرق في مستنقع الإهمال
قرية “الحرية” في الإسكندرية تعاني منذ أكثر من نصف قرن من الإهمال، حيث يفتقر سكانها إلى الخدمات الأساسية التي ينبغي أن تكون حقًا إنسانيًا.
الشوارع مغطاة بالمياه الملوثة التي تختلط بمياه الصرف الصحي، مما يحول الطرق إلى مستنقعات. يعاني الأهالي يوميًا من غرق منازلهم بسبب الأمطار التي تتسرب إلى المياه المتراكمة، ولا يوجد أي جهد حكومي لحل هذه الكارثة البيئية.
انقطاع المياه والكهرباء أصبح جزءًا من الروتين اليومي للسكان، ولا توجد في القرية أي مرافق ترفيهية أو خدمية. حتى التعليم يعاني من نقص حاد في الفصول الدراسية، مما يضع مستقبل الأطفال على المحك.
ورغم المناشدات المستمرة للمسؤولين، فإن القرية لم تشهد أي تدخل حكومي منذ عام 1967، عندما تأسست القرية. يتحدث السكان عن افتقارهم إلى وسائل النقل العامة، حيث يعتمدون على عربات الكارو للتنقل، ولا يعرفون لون “الأسفلت” منذ عقود.
الأهالي يعانون من العزلة والافتقار التام للخدمات، مما يجعل حياتهم أشبه بحياة البدو في عصور الجاهلية. وما يزيد الطين بلة هو انتشار القمامة في كل مكان، وتحول الشوارع إلى بحيرات من القاذورات خلال فصل الشتاء.
وتفاقمت معاناتهم مع الفشل التام للجهات المعنية في توفير أبسط الخدمات الأساسية مثل الصرف الصحي أو رصف الطرق.
الفيوم: صعايدة إطسا يغرقون في مياه الجوف دون حلول
في قرية “الصعايدة” التابعة لمركز إطسا بمحافظة الفيوم، يواجه الأهالي خطرًا محدقًا بسبب انتشار المياه الجوفية وغياب شبكات الصرف الصحي، مما يجعل حياتهم جحيمًا يوميًا.
تسرب المياه إلى أساسات المنازل أدى إلى تشقق الجدران، وتهديد المباني بالانهيار، فيما يزداد الوضع سوءًا مع عدم وجود استجابة حكومية فعلية لمعالجة هذه الأزمة.
يستخدم سكان القرية وسائل بدائية للتعامل مع الصرف الصحي، مثل الحفر في الأرض أو التصريف في أماكن غير مخصصة، ما يزيد من تلوث البيئة وتفاقم الأوضاع الصحية. على الرغم من المطالبات المتكررة، إلا أن الجهات المعنية لم تتحرك لحل هذه الأزمة التي تهدد حياة آلاف المواطنين.
منذ عام 2016، وعدت الحكومة بتوصيل الصرف الصحي للقرية، لكن حتى الآن لم يتم اتخاذ أي خطوة حقيقية لتنفيذ هذا المشروع، مما يعكس عدم جدية الحكومة في تحسين حياة المواطنين.
الطرق المؤدية إلى القرية أيضًا في حالة يرثى لها، حيث تعتبر غير صالحة حتى لسير الماشية، مما يزيد من عزلة القرية ويعطل حركة المواطنين.
المنيا: قرى بلا وحدات صحية وكوارث صحية تهدد حياة الآلاف
في المنيا، يعاني سكان قريتي “سيلة الشرقية” و”مرزوق” من عدم وجود وحدات صحية تقدم خدمات أساسية مثل الأمصال والعلاجات الضرورية.
ورغم أن الحكومة كانت قد بدأت ببناء وحدات صحية جديدة قبل سنوات، إلا أن المشاريع توقفت بشكل مفاجئ دون أي تفسير، تاركة السكان يعتمدون على أماكن بديلة لا ترتقي لتقديم خدمات طبية، بل تفتقر إلى أبسط مقومات الرعاية الصحية.
منذ أكثر من 10 سنوات، والوحدة الصحية في قرية “سيلة الشرقية” مغلقة، ولم تقدم الحكومة أي حلول بديلة سوى تأجير غرف في بيوت خاصة، والتي لا تصلح بأي حال لتقديم الرعاية الصحية.
الوضع في قرية “مرزوق” ليس أفضل حالًا، حيث يعيش 20 ألف نسمة دون أي منشأة صحية تقدم لهم الخدمات الطبية. هذه الكارثة الصحية تهدد آلاف الأرواح يوميًا، فيما تقف الحكومة مكتوفة الأيدي، غارقة في الفساد وعدم المسؤولية.
الدقهلية: قرية أبو التعليم بلا خدمات صحية ومدرسة بلا صرف صحي
تعتبر قرية “برمبال الجديدة” من أكبر قرى الدقهلية، وهي مسقط رأس أحد أبرز رموز التعليم في مصر، ومع ذلك، تعاني من غياب الخدمات الصحية والتعليمية الأساسية.
منذ 20 عامًا، تم البدء في بناء مستشفى في القرية بعد تبرع أحد الأهالي بقطعة أرض، لكن العمل توقف فجأة بعد أن هرب المقاول دون أن يحصل على مستحقاته، مما ترك الأهالي دون رعاية صحية.
وفيما يتعلق بالتعليم، تم بناء مدرسة جديدة بتكلفة 11 مليون جنيه، لكنها تفتقر إلى نظام صرف صحي! مما أدى إلى طفح المياه وتشكيل خطر على استقرار المبنى، الذي قد ينهار في أي لحظة بسبب الإهمال الحكومي. سكان القرية يطالبون بحلول فورية، لكن استجابة المسؤولين بطيئة وغير مجدية.
قنا: شوارع نجع حمادي تغرق في القمامة والأمراض
مدينة “نجع حمادي” في محافظة قنا، التي كانت يومًا ما نموذجًا للتنظيم والنظافة، تحولت إلى مستنقع من القمامة والمخلفات. الشوارع مليئة بالأكوام المتعفنة التي تجذب الحشرات وتنتشر منها الروائح الكريهة.
وفي ظل هذا التدهور، يزداد خطر تفشي الأمراض خاصة مع اقتراب فصل الشتاء، حيث يصبح انتشار الفيروسات والعدوى أمرًا لا مفر منه.
رغم مطالبات السكان المستمرة، إلا أن السلطات المحلية تبدو غير مبالية بما يحدث، تاركة المواطنين يتعاملون مع هذه الكارثة البيئية بمفردهم.
الحلول المقترحة من بعض الأهالي تشمل إشراك القطاع الخاص في إدارة النفايات، لكن حتى هذه المبادرات لا تجد آذانًا صاغية لدى المسؤولين الفاسدين الذين لا يبدو أنهم يهتمون إلا بمصالحهم الشخصية.
قرى مصر بين الإهمال الحكومي وتردي الخدمات
في ضوء هذه المشاهد الكارثية التي تعيشها قرى مصر، يتضح أن الحكومة المصرية لم تفشل فقط في تلبية احتياجات المواطنين الأساسية، بل إنها متورطة في إهمال متعمد وفساد مستشرٍ على كل المستويات.
هذا الفساد الحكومي لم يكتفِ بتعطيل المشاريع التنموية، بل تسبب في تدمير حياة آلاف الأسر التي تعيش يوميًا تحت وطأة الفقر والمرض.
المبادرات الحكومية مثل “حياة كريمة” لم تعدو كونها شعارات فارغة لا تمت للواقع بصلة، فيما تظل القرى المصرية تعاني من العزلة والإهمال، تاركة سكانها في حالة من اليأس المتزايد.