تقارير

الأقصر تعاني من أزمة تعليمية بسبب تقاعس الحكومة

تعيش محافظة الأقصر، التي تحمل إرثاً عظيماً من تاريخ مصر، في دوامة من الأزمات التي تهدد مستقبل أبنائها، وفي مقدمتها أزمة التعليم التي وصلت إلى مستويات غير مسبوقة من التدهور.

رغم الجهود التي تبذلها الدولة في مجالات أخرى، إلا أن القطاع التعليمي في المحافظة يواجه تحديات ضخمة من نقص حاد في المعلمين، مما ينعكس سلبًا على جودة التعليم في مدارسها.

مشهد المدارس المزدحمة بأعداد ضخمة من الطلاب في الفصول يبدو وكأنه يفضح تقاعس الحكومة عن وضع حلول حقيقية لمشكلات التعليم في الأقصر.

أعداد الطلاب تتجاوز القدرة الاستيعابية للفصول

تستمر الأقصر في مواجهة أزمة حادة في نقص المعلمين، إذ تتفاقم المشكلة بشكل كبير في العديد من المدارس المنتشرة في مختلف المراكز. في بعض الفصول، يصل عدد الطلاب إلى أكثر من 60 طالبًا في الفصل الواحد، وهي زيادة غير طبيعية وغير قابلة للتحمل، مما يجعل التعليم مستحيلاً في كثير من الأحيان. النتيجة الطبيعية لهذا التكدس هي تراجع مستوى استيعاب الطلاب وضعف نتائجهم التعليمية. لا يُعقل أن تتحمل الفصول هذا العدد الهائل من الطلاب، بينما تفتقر إلى المعلمين المؤهلين والموارد التعليمية اللازمة.

ولمواجهة هذا الوضع الكارثي، اضطرت بعض الإدارات التعليمية في الأقصر إلى تطبيق نظام العمل بفترتين صباحية ومسائية، وذلك لتوزيع الأعداد المتزايدة على مدار اليوم. هذا الحل لا يعكس سوى فشل واضح في التخطيط والإدارة ويؤكد على عجز الحكومة عن مواجهة التحديات الحقيقية. فبينما يسعى الجميع للحديث عن تطوير التعليم، يظل الواقع في الأقصر أكثر قتامة، حيث يعاني الطلاب من بيئة تعليمية غير ملائمة لا تساعدهم على التقدم أو التفوق.

نقص المدارس يزيد من تفاقم المشكلة

الوضع يتفاقم أكثر بسبب نقص المدارس في الأقصر، إذ لا تتناسب أعدادها مع الزيادة السكانية التي تشهدها المحافظة. هذا النقص يضع عبئًا إضافيًا على الطلاب والمعلمين على حد سواء. في الوقت الذي تتزايد فيه أعداد الطلاب، تبقى البنية التحتية للمدارس عاجزة عن استيعاب هذا النمو السكاني. فالمحافظة بحاجة إلى المزيد من المدارس ذات الفصول المجهزة بشكل مناسب لتوفير بيئة تعليمية أفضل للطلاب. هذا العجز في المدارس يجعل من المستحيل تقريبًا توفير فرص تعلم مناسبة لعدد كبير من الطلاب.

العمل مع معلمين غير مؤهلين يزيد من تفاقم الأزمة

ليس من المفيد في ظل هذه الأزمة فتح الباب للعمل كمعلم حصة. لا يمكن أن يكون هؤلاء المعلمون بديلاً حقيقيًا للمعلمين المؤهلين أكاديمياً وتربويًا. ففتح الباب لمعلمي الحصص تحت مسمى “حلول مؤقتة” لا يجدي نفعًا، خاصة وأن هؤلاء المعلمين في الغالب يفتقرون إلى المهارات والقدرات اللازمة لنقل المعرفة بشكل فعال للطلاب. النتيجة هي ضعف التحصيل الدراسي وفشل المحاولات الرامية إلى تحسين مستوى التعليم في الأقصر. يقتصر دور هؤلاء المعلمين على ملء الفراغات في المدارس دون تقديم أي قيمة حقيقية في تحسين المستوى التعليمي.

إذا كانت الدولة جادة في تحسين مستوى التعليم، عليها أن تتوقف عن الحلول المؤقتة وأن تتخذ خطوات جادة لتوظيف معلمين مؤهلين يمتلكون المهارات التربوية اللازمة. المعلم ليس مجرد شخص يؤدي مهمة، بل هو حجر الزاوية في العملية التعليمية. من الضروري توفير فرص العمل للمعلمين المؤهلين علميًا وتربويًا بحيث يكون لديهم القدرة على التعامل مع الطلاب بفاعلية.

الحكومة تتجاهل الحلول الحقيقية

من الواضح أن الحكومة لم تُظهر أي جدية في معالجة هذه المشكلة التعليمية، فهي تكتفي بالتصريحات دون اتخاذ خطوات ملموسة لتحسين الوضع. في الوقت الذي تحتل فيه قضية التعليم مكانة هامة في الخطط التنموية التي تروج لها الحكومة، يظهر الواقع على الأرض مغايرًا تمامًا لتلك التصريحات. على الرغم من الاهتمام الرسمي الواضح بمجال التعليم على مستوى التصريحات، فإن الوضع في الأقصر يكشف عن تراجع خطير في مستوى الالتزام الحكومي في هذا الملف.

ضرورة التحرك السريع لمعالجة الأزمة

إزاء هذا الوضع المأساوي، يجب على الحكومة اتخاذ خطوات جادة وعاجلة لحل هذه الأزمة. لابد من زيادة أعداد المدارس بما يتناسب مع الزيادة السكانية في الأقصر، فضلاً عن ضرورة توفير عدد كافٍ من المعلمين المؤهلين والقادرين على تلبية احتياجات الطلاب التعليمية. كما يجب العمل على تحسين بيئة التعليم في الفصول عبر تقليل عدد الطلاب في كل فصل بحيث يتمكن المعلم من تقديم التعليم بشكل فعال.

الوقت ليس في صالح التعليم في الأقصر، وإن لم تتحرك الحكومة بشكل سريع لإيجاد حلول واقعية وفعالة، فإن النتائج ستكون كارثية على الأجيال القادمة، الذين سيكونون ضحايا فشل الحكومة في توفير بيئة تعليمية ملائمة.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button