على مر السنوات الماضية أظهرت الحكومة المصرية تقاعسًا واضحًا في التعامل مع مشاكل المياه وموارد الري التي تساهم بشكل مباشر في تدمير القطاع الزراعي في البلاد، هذا القطاع الذي يعد شريان حياة ملايين المصريين.
ومن أبرز صور هذا التقاعس كان إغلاق مصرف بحر صفط أحد المصارف الحيوية التي يعتمد عليها المزارعون في الري.
وعلى الرغم من أن هذا الإغلاق يضر بالأراضي الزراعية ويعرضها للعطش، إلا أن الحكومة تغض الطرف عن هذا الوضع الكارثي الذي لا يبدو أن له حلاً قريبًا
مزارعون في مأزق وبدائل لا تجدي نفعًا
في غياب تام للإجراءات الفعّالة، يضطر الفلاحون إلى اللجوء إلى مصادر غير آمنة لري أراضيهم الزراعية. فقد أصبح الاعتماد على مياه الصرف الصحي أحد البدائل المتاحة لهم لسقي الأراضي بعد أن باتت مياه الترع التي من المفترض أن تكون مخصصة للري بعيدة عن متناولهم.
هذه المياه التي يرفضها المزارعون خوفًا على محاصيلهم من التلوث، لم تجد الحكومة حلاً لتحسين أوضاعها أو معالجة الفجوة الكبيرة التي خلفتها تلك الأزمة. ففي ظل ندرة مياه الري المتوفرة، يتضاعف معاناة المزارعين الذين يواجهون ارتفاعًا مستمرًا في تكاليف الري.
تكاليف الري تلتهم ميزانية المزارعين
لجأ العديد من المزارعين إلى استخدام مياه الآبار الجوفية كحل بديل رغم التكلفة الباهظة لهذا الخيار. إذ تصل تكلفة الساعة الواحدة من استخدام الآبار إلى 100 جنيه، وبحاجة كل فدان إلى 8 ساعات لريه، فإن التكلفة الإجمالية لعملية الري تتجاوز 800 جنيه لكل فدان في كل مرة. وإذا ما أخذنا في الاعتبار أن المحصول يحتاج إلى الري ثلاث مرات في الشهر، فإن المزارعين يضطرون إلى دفع حوالي 2400 جنيه شهريًا فقط في بند الري لكل فدان. هذا الرقم الضخم الذي يرهق المزارعين ويزيد من حجم معاناتهم بسبب تكاليف الأسمدة والأيدي العاملة، يعد عبئًا غير محتمل في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها الجميع.
ارتفاع تكاليف الإنتاج وغياب الحلول الفعّالة
الأزمة لا تقتصر فقط على صعوبة الحصول على المياه، بل تتسع لتشمل مجموعة من العوامل التي تزيد من الأعباء المالية على المزارعين. فبجانب ارتفاع تكاليف الري، يعاني الفلاحون من زيادة غير مسبوقة في أسعار الأسمدة الزراعية، مما يجعل الإنتاج الزراعي غير قابل للتحقيق إلا بتكلفة مرتفعة للغاية. كما أن زيادة أسعار إيجار الأراضي الزراعية والأيدي العاملة تزيد من الضغوط على الفلاحين، ما يهدد بتدمير قدرة الزراعة على الاستمرار والإنتاج.
تلوث البيئة وانتشار الأمراض نتيجة الإهمال
الأزمة تتعدى حدود الزراعة لتشمل تهديدًا خطيرًا على البيئة والصحة العامة. فمياه مصرف بحر صفط، والتي غالبًا ما تستخدم لري الأراضي، أصبحت مصدرًا رئيسيًا لتلوث الهواء والماء، مما أدى إلى انتشار الروائح الكريهة التي تلوث الجو. بالإضافة إلى ذلك، تفاقمت مشكلة انتشار الفئران والحشرات الضارة الناقلة للأمراض، وأصبح السكان في هذه المناطق مهددين بمخاطر صحية كبيرة. ففي ظل هذه الظروف المعيشية القاسية، بدأت الأمراض الخطيرة مثل السرطان والفشل الكلوي تزداد بشكل ملحوظ بين سكان هذه القرى، لتشمل كذلك الأمراض الجلدية والتنفسية بسبب التلوث المستمر.
مناشدات بلا جدوى
رغم المناشدات المتكررة من قبل المزارعين والسكان المحليين للسلطات، لم تقدم الحكومة المصرية أي حلول جادة أو فاعلة للتعامل مع هذه الأزمة. فقد طالب الأهالي الجهات المختصة بضرورة التدخل العاجل لإيجاد حلول لمشكلة مياه الري التي لا تصل إلى الأراضي الزراعية في العديد من القرى، خصوصًا في نهايات الترع. كما أن المطالبات بتغطية مصرف بحر صفط وإنشاء محطات صرف صحي تخدم القرى أصبحت أكثر إلحاحًا، لكن الحكومة لم تكترث لهذه النداءات.
الفساد والتجاهل الحكومي يفاقمان الأزمة
وفي الوقت الذي تزداد فيه معاناة المواطنين والمزارعين على حد سواء، لا تزال الحكومة تواصل تجاهل الأزمات المتزايدة ولا تتخذ الإجراءات المناسبة لتخفيف العبء عن المواطنين. هذا التقاعس الحكومي لا يعكس فقط ضعف القدرات الحكومية في مواجهة الأزمات، بل يبرز أيضًا الفساد الإداري الذي يعرقل أي محاولات للإصلاح الجاد. بدلاً من التوجه لحل المشكلات الجوهرية مثل تطوير نظام الري وتحسين البنية التحتية للمياه، يتم تجاهل معاناة الشعب، مما يعمق من أزماتهم ويزيد من حجم الفساد المستشري في قطاعات هامة مثل الزراعة.
الحكومة المصرية تساهم في تدمير القطاع الزراعي
إن ما يعانيه المزارعون من مشاكل في توفير مياه الري لا يعد فقط نتيجة لغياب التخطيط السليم، بل هو دليل قاطع على الفشل الحكومي في مواجهة الأزمات المستمرة. الحكومة التي يفترض أن تكون راعية لمصالح الشعب، أثبتت فشلها الذريع في التعامل مع واحدة من أخطر الأزمات التي تهدد حياة المواطنين، خصوصًا في الريف. ويبقى السؤال: إلى متى ستظل الحكومة المصرية تغض الطرف عن معاناة الشعب وتفاقم الأزمة بدلاً من أن تقدم حلولًا فعلية وملموسة تحمي حياة الناس ومستقبل الزراعة في البلاد؟