لا يمكن تجاهل حقيقة أن نادٍ مثل الزمالك، والذي يُعتبر جزءاً أساسياً من النسيج الرياضي في مصر والمنطقة العربية، يمر بأزمة من الداخل لا علاقة لها بالمنافسين المباشرين على الساحة الرياضية، بل ترتبط بالنيران الصديقة، تلك التي تأتي من داخله وتصيب أسس هذا النادي العريق في مقتل.
نعم، إنه نادٍ ذو تاريخ، نعم له إنجازات وبطولات، ولكن أين هو الآن؟ أين القوة الحقيقية التي ينبغي أن تظهر في ملعب كرة القدم وعلى منصات التتويج؟ دعوني أكون واضحًا وصريحًا؛ ما يحدث للزمالك ليس نتيجة تآمر الأندية المنافسة أو بسبب الأخطاء التحكيمية، بل نتيجة تهاون داخلي وإدارة غير فعّالة ومشاكل متراكمة من أفراد يعتبرون أنفسهم جزءًا من النادي، لكنهم في الحقيقة هم أكبر معوق لتقدمه.
الزمالك، نادٍ جماهيري لا شك في ذلك، ولكنه يعيش في دوامة من التخبط الإداري والرياضي، جعلته يغرق في مشكلات داخلية لا يبدو أنها في طريقها للحل.
وقد شهدنا في السنوات الأخيرة إخفاقات متكررة، سواء على مستوى البطولات المحلية أو القارية، رغم كل المحاولات لتقديم هذا النادي كمنافس جاد على الساحة.
ولكن كيف يمكن أن نصدق هذا الطرح في ظل كل هذه النكسات؟ الزمالك لم يشارك في دوري أبطال أفريقيا لسبع مرات في آخر 20 عامًا، وخرج من دور الـ32 ثلاث مرات أخرى، وهذا شيء لا يمكن تفسيره سوى بالفشل الإداري والفني.
من جهة أخرى، لا يمكن الحديث عن الزمالك دون التطرق إلى الأهلي، المنافس التقليدي الذي جعل من التحدي أمام الزمالك فرصة لتأكيد تفوقه مرارًا وتكرارًا.
الأهلي، الفريق الذي لم يترك أي فرصة إلا وأثبت فيها أنه الأفضل والأكثر تفوقًا، سواء في الساحة المحلية أو العالمية. الفريق الذي تغلب على جميع الفرق الكبرى في العالم العربي واستمر في تصنيفه كثاني أفضل نادٍ عالمي من حيث البطولات القارية بعد ريال مدريد.
ولعلّ أكثر ما يثير الاستغراب هو تكرار الهزائم أمام الأهلي في المناسبات الكبرى، ليس فقط في المباريات الفردية، بل حتى في النهائيات والمراحل الحاسمة.
الزمالك يعيش حالة من التناقض الغريب، بين تاريخ عريق وبطولات تتحدث عنها الأجيال وبين حاضر مليء بالتخبطات والإخفاقات. كيف يمكن لفريق يعتبر نفسه “قلعة رياضية” أن يعاني كل هذه النكسات؟
الزمالك خسر نهائي دوري أبطال أفريقيا مرتين في العشرين عامًا الماضية، واحدة منها أمام صن داونز الجنوب أفريقي بثلاثية نظيفة، والثانية أمام غريمه التقليدي الأهلي بهدفين مقابل هدف. وبدلاً من أن يكون هذا مدعاةً للتغيير والتطوير، نجد أن نفس الأخطاء تتكرر مرة بعد مرة.
إن ما يحدث للزمالك هو في الواقع أكبر دليل على أن مشكلاته ليست رياضية فحسب، بل هي إدارية بحتة. نادٍ يملك هذه الجماهيرية الكبيرة وهذا التاريخ العريق لا يمكن أن يكون في هذا الموقف المتردي دون أن تكون هناك أزمة حقيقية داخل جدرانه. القيادة، التخطيط، الإدارة، كلها أمور تحتاج إلى إعادة نظر جذرية.
لا يمكن الاستمرار بنفس الوجوه التي فشلت مرارًا وتكرارًا في تحقيق أي نوع من النجاح، ولا يمكن الاعتماد على الأوهام والمشاعر الجماهيرية لحل مشكلات حقيقية تتعلق بالأداء والنتائج.
إن المقارنة بين الزمالك والأهلي في هذا السياق تكاد تكون مجحفة في حق الزمالك نفسه. الأهلي خلال نفس الفترة الزمنية التي عاش فيها الزمالك مشكلاته وانهزاماته، حصد 18 بطولة قارية، بينما نال الزمالك 3 بطولات فقط.
الأهلي لم يكن فقط الأفضل في مصر، بل تجاوز ذلك ليصبح الفريق الأكثر تتويجًا بالبطولات القارية بعد ريال مدريد، وفاز بجائزة جلوب كأفضل نادٍ في العالم. في المقابل، نجد الزمالك يعاني من هزائم متكررة وخروج مبكر من البطولات.
وفي النهاية، نتساءل: هل الزمالك بهذه الأرقام والإحصائيات يُعتبر “أكبر قلعة رياضية في مصر” كما يدعي البعض؟ هذا السؤال لا يحتاج إلى إجابة بقدر ما يحتاج إلى وقفة مع النفس من قبل كل من ينتمي إلى هذا النادي.
الإدارات المتعاقبة على النادي، سواء كانت مؤقتة أو منتخبة، لم تقدم الحلول الفعالة التي ينتظرها جمهور الزمالك. يبدو أن النادي بحاجة إلى ثورة شاملة على كل المستويات، بدءًا من الإدارة وحتى الجهاز الفني واللاعبين، وصولًا إلى الجماهير التي تحتاج إلى دعم حقيقي للفريق، بعيدًا عن الانقسامات والاتهامات المتبادلة.
والحل ليس في إلقاء اللوم على الأطراف الخارجية أو التحجج بمؤامرات وهمية، بل في مواجهة الحقائق بشجاعة والعمل على إعادة بناء هذا النادي من جديد، حتى يعود إلى مكانته الطبيعية كأحد أكبر الأندية في مصر وأفريقيا.