في قلب مصر تتوالى الأرقام المقلقة التي تؤكد أن البلاد على شفا أزمة سكانية كارثية، والسلطات الحكومية تظل متجاهلة أو غير مكترثة لما يحدث. فقد أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر، في 2 نوفمبر 2024، أن عدد سكان البلاد قد وصل إلى 107 مليون نسمة، بعد زيادة مليون نسمة خلال 268 يومًا فقط.
هذه الزيادة جاءت رغم التحديات الكبرى التي تواجهها البلاد في ظل حكومة تتبنى سياسات فاشلة، وهو ما يبرز غياب الإرادة السياسية لحل هذه المشكلة.
الزيادة السكانية تثير القلق لأنها تمت في فترة زمنية طويلة نسبياً، حيث أن الزيادة السابقة التي كانت قد وصلت إلى مليون نسمة استغرقت 250 يومًا فقط.
ولكن، في الوضع الحالي، انخفض معدل المواليد اليومي إلى 5385 مولودًا يوميًا، مقارنة بـ 5599 مولودًا في الفترة السابقة، مما يكشف عن فشل الحكومة في إدارة أزمة السكان ومعالجتها بشكل فعال.
ومع كل هذه الأرقام المقلقة، يظل المسؤولون في الحكومة يلتزمون الصمت، تاركين المواطنين يواجهون واقعًا مأساويًا يزداد سوءًا كل يوم.
من فبراير إلى نوفمبر 2024، سجلت مصر 1.443 مليون مولود، بمعدل 5385 مولودًا يوميًا، أي مولود واحد كل 16 ثانية. هذه الإحصائيات تُظهر حجم الكارثة التي تشهدها مصر من حيث النمو السكاني.
ورغم انخفاض معدل المواليد من 21.1 لكل ألف نسمة في عام 2022 إلى 19.4 لكل ألف نسمة في 2023، ما يزال المعدل مرتفعًا بشكل خطير ويهدد بتفاقم الأزمة السكانية التي باتت تلوح في الأفق.
ما يزيد الأمور تعقيدًا هو تفاوت هذه الأرقام بشكل كارثي بين مختلف المحافظات المصرية. ففي الوقت الذي تسجل فيه بعض المحافظات مثل أسيوط وسوهاج وقنا والمنيا والأقصر أعلى معدلات للمواليد، تسجل محافظات أخرى مثل بورسعيد ودمياط والدقهلية والسويس والغربية أقل المعدلات.
هذا التفاوت يدل على غياب استراتيجية واضحة من الحكومة لتوزيع الموارد وتحقيق توازن سكاني بين مختلف المناطق، الأمر الذي يعكس الفشل الذريع في إدارة الملف السكاني.
إذا نظرنا إلى الجهود الحكومية التي يُزعم أنها تهدف إلى التحكم في النمو السكاني، سنجد أن أرقام المسح الصحي للأسرة المصرية تشير إلى انخفاض معدل الإنجاب من 3.5 طفل لكل سيدة في عام 2014 إلى 2.54 طفل في 2023.
ولكن، في ظل هذه الأرقام، لا تزال الحكومة عاجزة عن مواجهة التحديات السكانية المتزايدة. فما الذي يعنيه أن نسبة الإنجاب قد انخفضت إذا كانت الأرقام الكلية ما تزال تشهد زيادات ضخمة في عدد السكان؟ الحكومة المصرية تتخبط بين تصريحات من هنا وهناك، ولكنها لم تقدم أية حلول حقيقية لهذه الأزمة التي باتت تهدد مستقبل البلاد.
ومع ذلك، لا يبدو أن الحكومة المصرية لديها خطة حقيقية لمواجهة هذا التحدي. على العكس، تستمر السياسات التي تتبعها في تجاهل الواقع على الأرض. فالمستشفيات والمراكز الصحية لا توفر رعاية كافية للمواطنين، والتعليم يعاني من أزمة تمويل كبرى، والبطالة تزداد بشكل كارثي. كل هذه الأزمات تتفاقم بينما الحكومة تواصل تجاهل المسؤولية.
إن زيادة عدد السكان بهذا الشكل الهائل، في ظل الفشل الحكومي الواضح في تقديم حلول استراتيجية، يعني أن مصر مقبلة على مرحلة أكثر تعقيدًا من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية. الحكومة المصرية تتعامل مع هذه الزيادة السكانية كأنها مجرد رقم في جدول إحصائي، بينما الواقع يشير إلى عواقب وخيمة على الأرض، من تزايد الفقر، والبطالة، وتدهور مستوى الخدمات العامة.
ما يحدث في مصر ليس مجرد أزمة سكانية، بل هو أزمة إدارة حكومية فاشلة وفوضى في التعامل مع أهم ملف يهدد مستقبل البلاد. هذه الزيادة السكانية المتسارعة، إن لم تُعالج بشكل جاد، ستؤدي إلى نتائج كارثية. الحكومة المصرية تتحمل المسؤولية الكاملة عن هذا الفشل الذي أصبح واضحًا للجميع.