حناجر غير عادية: أصوات غنائية تهز الثقافة العربية وتحولاتها
يُعد الكتاب “حناجر غير عادية” للدكتور أحمد الواصل من الدراسات الجريئة والمثيرة للنقاش في مجال النقد الغنائي والثقافي العربي.
تناول المؤلف في هذا الكتاب رحلات مجموعة من الأصوات الغنائية العربية التي أحدثت تحولًا في الخطاب الغنائي وأشكاله على مدار العقود الماضية.
يرى الدكتور الواصل أن الخطاب الغنائي العربي، بما فيه من مزيج بين النغمة والكلمة والأداء الحنجري، يمثل مرآة للثقافة العربية بمستوياتها المختلفة، وأن الأصوات المميزة في هذه المسيرة قد لعبت دورًا محوريًا في تشكيل هذا الخطاب.
يتناول الكتاب نماذج متعددة من تجارب حناجر غنائية عربية، من عبدالحليم حافظ إلى شيرين، ويطرح أسئلة عميقة حول تأثير هؤلاء الفنانين على التحولات الثقافية والاجتماعية في العالم العربي.
في هذا السياق موقع “أخبار الغد“، يناقش آراء عدد من الأكاديميين والنقاد والمهتمين حول الكتاب وتأثيره على الجمهور، وكيف أضاء النقاط المفصلية في تاريخ الغناء العربي.
عبدالحليم حافظ: من الرومانسية إلى الوعي السياسي
يرى الدكتور محمد بسيوني، أستاذ جامعي في النقد الموسيقي، أن اختيار الدكتور الواصل لعبدالحليم حافظ في الكتاب كان اختيارًا موفقًا، لأنه “جسد التحول من الرومانسية العاطفية إلى الغناء السياسي والاجتماعي في فترة الستينيات والسبعينيات”.
يقول بسيوني: “عبدالحليم لم يكن مجرد مغنٍ، بل كان يمثل صوت الأمة في تلك الفترة، حيث مزج بين الغناء العاطفي والقومي بطريقة غير مسبوقة”.
من جانبه، يعتبر الكاتب الصحفي أسامة عبدالحميد أن الكتاب قدم قراءة جديدة لشخصية عبدالحليم، مشيرًا إلى أن “عبدالحليم حافظ هو حنجرة تحمل مزيجًا بين الهموم الوطنية والوجدان الشخصي، وهذا التفاعل كان سمة بارزة للغناء في عصره”.
ابتسام لطفي: كسر القوالب التقليدية للغناء النسائي
من زاوية أخرى، يتحدث الناقد الموسيقي إبراهيم السيد عن الفصل المخصص لابتسام لطفي، المغنية السعودية التي استطاعت بكسر الأدوار التقليدية المرسومة للمرأة في الغناء العربي.
يقول السيد: “تناول الواصل لتجربة ابتسام لطفي كان مليئًا بالحساسية والدقة، حيث استطاع أن يُبرز كيف تحدت ابتسام لطفي القيود المجتمعية وقدمت نفسها كفنانة قادرة على التعبير عن مشاعر النساء دون الحاجة للانصياع لقوالب الفلكلور أو الطرب التقليدي”.
أما الأكاديمية نادية إبراهيم، أستاذة جامعية في الأدب العربي، فتؤكد على أهمية الكتاب في إبراز الدور النسائي في تطوير الأغنية العربية، قائلة: “الواصل استطاع أن يُعيد الاعتبار لحنجرة ابتسام لطفي كرمز للمرأة العربية التي تخترق السقف الاجتماعي وتغني بصوتها، بلا اعتبارات مسبقة”.
الأغنية الخليجية: بين الخصوصية المحلية والعالمية
في فصل آخر يتناول الدكتور الواصل الغناء الخليجي من خلال تجربة المغنية عالية حسين، حيث يستعرض كيف أن هذا اللون من الغناء لم يكن معزولًا عن التأثيرات العالمية، بل استطاع أن يجذب إليه جمهورًا واسعًا.
الدكتور أحمد فوزي، أستاذ جامعي في الدراسات الخليجية، يرى أن “ما يميز الكتاب هو التركيز على خصوصية الغناء الخليجي، الذي حافظ على هويته الثقافية رغم انفتاحه على التأثيرات العالمية”. ويضيف: “عالية حسين مثال حي على هذا التوازن الدقيق، حيث مزجت بين الأصالة والحداثة، وهذا ما لفت الانتباه في دراسة الواصل”.
وتشير الكاتبة أمل مرسي إلى أن “الغناء الخليجي عادة ما يُنظر إليه كغناء تقليدي، ولكن الكتاب نجح في تفنيد هذه الصورة النمطية، وإبراز الطابع المتجدد الذي يطبع العديد من تجارب الفنانين الخليجيين مثل عالية حسين”.
فضل شاكر: المغني العاطفي المتمرد
لم يكن فضل شاكر بعيدًا عن تناول الكتاب، حيث خصص الدكتور الواصل له فصلًا يناقش فيه تحولات مسيرته من الغناء العاطفي إلى الانخراط في القضايا السياسية.
الدكتور محمود فهمي، المتخصص في الدراسات الإعلامية، يرى أن “فضل شاكر يمثل حالة استثنائية في الغناء العربي، حيث تحول من مغنٍ عاطفي ناعم إلى صوت يمزج بين الفن والقضايا السياسية، وهو ما جعله يثير جدلًا واسعًا بين مؤيديه ومعارضيه”.
ويضيف الإعلامي خالد يونس: “الكتاب أعطى مساحة للنقاش حول فضل شاكر، ليس فقط كفنان، بل كشخصية عامة تأثرت بالتحولات الاجتماعية والسياسية التي مر بها العالم العربي. هذا الفصل أثار نقاشًا بين القراء حول دور الفنان في المجتمع”.
شيرين: تعرية الذات والإفصاح عن التجربة
من بين الأصوات الحديثة التي تناولها الكتاب كانت شيرين، التي يصفها الدكتور الواصل بأنها تمثل “حنجرة جريئة لا تخشى الإفصاح عن ذاتها”.
الناقدة الموسيقية سارة عبدالعزيز تعتبر أن “شيرين تعبر عن جيل كامل من النساء اللواتي لا يخشين التعبير عن مشاعرهن بصدق وبلا تزييف، وهو ما يجعلها تتواصل مع جمهورها بطريقة فريدة”.
وتضيف الروائية منى الطاهر: “الكتاب قدم قراءة جديدة لشخصية شيرين، حيث أظهر كيف أن تجربتها الغنائية مليئة بالتحديات الشخصية والمهنية التي جعلت منها واحدة من أبرز نجمات الغناء العربي في الوقت الحالي”.
تأملات في أثر الكتاب على النقاش الثقافي
من الواضح أن كتاب “حناجر غير عادية” للدكتور أحمد الواصل قد أثار نقاشًا واسعًا حول دور الفنانين في تشكيل الوعي الثقافي والاجتماعي العربي.
الكتاب ليس مجرد سرد لسير الفنانين، بل هو محاولة لقراءة تأثير الحناجر الغنائية على الجمهور العربي وتحولات هذا الخطاب عبر الزمن.
يشير الدكتور سامي إبراهيم، أستاذ جامعي في الدراسات الثقافية إلى أن “الكتاب يمثل محاولة جريئة لتفكيك العلاقة المعقدة بين الفن والمجتمع، وكيف يمكن للصوت الغنائي أن يكون أداة للتغيير الثقافي والسياسي”.
ويرى الناقد الأدبي عمرو حسن أن “حناجر غير عادية” ليس مجرد كتاب عن الغناء العربي، بل هو عمل ثقافي كبير يعكس التحولات العميقة التي مرت بها المجتمعات العربية، وكيف لعب الفن دورًا في هذه التحولات.
ويضيف: “الواصل قد نجح في جمع الأصوات والقصص في هذا الكتاب ليقدم للقارئ تجربة فكرية غنية تجعله يعيد التفكير في دور الغناء والفن في حياتنا اليومية”.
بهذا الكتاب، أعاد الدكتور أحمد الواصل تعريف دور الغناء في الثقافة العربية، وأثار نقاشًا حول تأثير هذه “الحناجر غير العادية” في تشكيل الهوية الثقافية والسياسية والاجتماعية للعالم العربي. وتعد هذه الدراسة مرجعًا هامًا لكل مهتم بالفن والثقافة العربية، وأداة لفهم تحولات الخطاب الغنائي في المنطقة.