إن قضية النفايات الطبية في مصر تزداد سوءًا عامًا بعد عام، إذ تعكس الحالة المتردية التي تعيشها البلاد نتيجة لعدم اهتمام الحكومة بتوفير حلول جادة وآمنة لمعالجة المخلفات الطبية الخطرة.
فبينما تتدفق الأرواح بشكل يومي بسبب التراخي في إدارة النفايات الطبية، تُظهر التقارير العالمية والمحلية حجم الكارثة التي تهدد صحة المواطنين والبيئة، في ظل غياب الرقابة الحكومية الفاعلة.
آلاف الأرواح تُزهق سنويًا نتيجة التقاعس الحكومي
يؤكد الخبراء أن التعامل السيئ مع النفايات الطبية يشكل تهديدًا مباشرا لحياة الناس، حيث تزايدت الإصابات بالأمراض الخطيرة مثل فيروس التهاب الكبد الوبائي “B” و”ج”، بالإضافة إلى فيروس نقص المناعة المكتسب “الإيدز” بسبب التعامل غير الآمن مع النفايات الملوثة. وفقًا للتقديرات، يعاني أكثر من 16 مليون شخص من فيروس التهاب الكبد “B” و4.7 مليون من “C”، بينما يصاب نحو 160 ألف شخص سنويًا بفيروس الإيدز. تلك الأرقام المخيفة تعكس فقط جزءًا من الكارثة الحقيقية التي تنتج عن إهمال الدولة في توفير حلول فعالة لمعالجة النفايات الطبية الخطرة.
النفايات الطبية تُباع في الأسواق وتسبب أمراضًا خطيرة
تُظهر شهادات العاملين في مجال جمع المخلفات الطبية أن تجار الموت، الذين يعملون خارج إطار القانون، يستغلون نقص الرقابة الحكومية ويتاجرون في النفايات الطبية الخطرة. فالنفايات مثل المشارط والإبر تستخدم من قبل بعض تجار الخردة لإعادة تدويرها وتحويلها إلى أدوات مائدة غير صالحة للاستخدام البشري. هذه الأدوات التي تُصنع من مواد ملوثة، مثل الأطباق والشوك والسكاكين، تُباع بأسعار منخفضة في الأسواق الشعبية، مما يعرض صحة المصريين لخطر الأمراض المعدية مثل السرطان، نتيجة تفاعل هذه المواد مع الطعام.
النفايات البلاستيكية: كارثة بيئية غير مرئية
تُعتبر النفايات البلاستيكية أحد أكبر التحديات البيئية في مصر، حيث يتوقع أن يتم إنتاج 220 مليون طن من النفايات البلاستيكية في عام 2024 على مستوى العالم. في مصر، تُلقى النفايات البلاستيكية في الشوارع والمصارف دون معالجة، وهو ما يؤدي إلى تلوث البيئة بشكل خطير. بعض الشركات الصغيرة تستغل هذه النفايات لإنتاج علب ومعدات كهربائية غير مطابقة للمواصفات، مما يعرض المواطنين لمخاطر كبيرة مثل الحرائق.
الحكومة تروج لخطط وهمية: 10 مليارات جنيه لمشاريع لا طائل منها
وفي خطوة غير مسؤولة، أعلنت وزارة البيئة عن خطط لاستثمار 10 مليارات جنيه لإنشاء 28 مدفنًا صحيًا و60 خط إنتاج و14 مصنعًا لإدارة النفايات. ومع ذلك، يبقى السؤال: لماذا لم تتم معالجة المشكلة الجذرية التي تتمثل في رقابة الحكومة على طريقة التعامل مع المخلفات الطبية؟ فالقطاع الخاص الذي تم تسليمه إدارة المخلفات لا يلتزم بالمعايير البيئية والصحية المطلوبة، وبالتالي فإن الحلول المعلنة ليست سوى محاولات لتحويل المشكلة إلى تجارة مربحة لا أكثر. وبدلاً من أن تكون الحكومة هي المسؤول الأول عن حماية الصحة العامة، فإنها تسلم زمام الأمور للقطاع الخاص الذي يسعى إلى الربح على حساب حياة المواطنين.
نفايات طبية: من معالجتها إلى بيعها في أسواق الخردة
يقول العاملون في المستشفيات إن “نفايات المستشفيات” تعتبر مصدرًا لتحقيق الأرباح غير المشروعة من قبل تجار الخردة، حيث يعاد تدوير هذه النفايات الحادة (كالحقن والمشارط) لتصنيع أدوات غير آمنة، مثل الأطباق والشوك، مما يشكل خطرًا جسيمًا على الصحة العامة. وفقًا للمتخصصين، فإن المعالجة السليمة لهذه النفايات تتطلب إجراءات صارمة يتم تجاهلها بشكل متعمد في العديد من الحالات، في ظل الفساد المستشري في بعض الأجهزة الحكومية.
الفشل في تطبيق قوانين إدارة المخلفات الطبية
على الرغم من أن الحكومة قد أعلنت عن بعض المبادرات لخفض المخلفات الطبية مثل إصدار الدليل الإرشادي للتداول والتخلص الآمن من النفايات الطبية، إلا أن هذه المبادرات تبقى حبرًا على ورق. فالتنفيذ على أرض الواقع يفتقر إلى التنسيق الفعّال بين الجهات المعنية. كما أن التقارير تشير إلى أن الحكومة قد فشلت في إغلاق ثغرات الرقابة التي تسمح بانتشار هذه المخلفات في الأسواق غير القانونية.
أجهزة غير كافية ومرافق معالجة متهالكة
التقديرات تشير إلى أن هناك ما يقارب 150 طن من النفايات الخطرة يتم إنتاجها يوميًا، ما يعني أن حوالي 28 مليون طن من النفايات الخطرة تنتج سنويًا. وعلى الرغم من هذه الأرقام المقلقة، فإن الحكومة لا تزال عاجزة عن تلبية الحاجة الملحة لمرافق معالجة متكاملة. حتى وإن تم الإعلان عن إنشاء 175 محرقة للنفايات، فإن هذه المنشآت لا تكفي للتعامل مع حجم النفايات المتزايد يومًا بعد يوم. في هذا السياق، تفتقر المحارق إلى المعايير البيئية الصارمة، مما يفاقم من مشاكل التلوث.
الحلقة المفقودة: عدم تنفيذ استراتيجيات الوقاية
تتجاهل الحكومة استراتيجيات الوقاية الأساسية التي يمكن أن تحد من مخاطر النفايات الطبية على المدى الطويل. فالتدريب الكافي للعاملين في القطاع الصحي على كيفية التعامل مع النفايات الطبية لا يتم بشكل دوري، ما يساهم في إهمال التعامل مع النفايات بأمان. هذا بالإضافة إلى غياب المعدات الطبية المتخصصة في المستشفيات التي يمكن أن تحد من المخاطر المرتبطة بإعادة استخدام النفايات الطبية.
التجارة بالنفايات الطبية: ضحايا جديدون في انتظار الحكومة
ليس هناك أي شك في أن التعامل غير القانوني مع النفايات الطبية في مصر هو تجارة مربحة لبعض الأفراد الذين لا يهمهم سوى جني المال على حساب الأرواح. الحكومة، بدلاً من محاربة هذه التجارة المدمرة، تبقى مشغولة بتوسيع دائرة الفساد وإعطاء الضوء الأخضر للقطاع الخاص للتربح من القضايا البيئية والصحية دون أي مساءلة حقيقية.
الحكومة لا تهتم بصحة المصريين
في ظل الأرقام الصادمة والتقارير المتكررة، من الواضح أن الحكومة المصرية تتجاهل بشكل خطير مسئوليتها في التعامل مع النفايات الطبية والخطرة. إن استثمارات الحكومة في مشاريع غير فعالة فقط تكشف عن فشلها الذريع في مواجهة هذه الكارثة الصحية والبيئية، ويظل المواطن هو الضحية في النهاية.