في خطوة شديدة الدلالة والحدة، تقدم دكتور مهندس محمود عطية باستقالته المسببة من حزب الوفد المصري، وهو الحزب الذي ارتبط تاريخياً بقيم الوطنية والسياسة المستنيرة.
تقدم عطية باستقالته بعد سنوات طويلة من العمل داخل الحزب الذي يعتبر من أعرق الأحزاب السياسية في مصر. ولكن، لم تكن تلك الاستقالة مجرد قرار عابر، بل كانت نتيجة لسنوات من الإحباط والتهميش المتعمد له ولعدد من القيادات الشابة التي حاولت دفع الحزب نحو المستقبل.
تجاهل القيم والمبادئ الحزبية
تبدأ مأساة استقالة عطية من انتقاد لاذع للطريقة التي يتم بها اختيار القيادات داخل الحزب. ويؤكد أن الحزب قد فقد الأمل في تطبيق اللوائح الداخلية التي كانت تنظم طريقة اختيار الأعضاء والقيادات.
فقد تحولت العملية إلى تصفية حسابات شخصية وأصبحت المناصب تُمنح بناءً على الولاء والهوى الشخصي وليس بناءً على الكفاءة والقدرة على القيادة.
هذا الوضع دفع العديد من الأعضاء إلى التذمر، خاصة مع تزايد ظاهرة شراء المناصب داخل الحزب، وهو ما يضرب مصداقية الوفد في الصميم.
التقزيم والتهميش المنهجي
ما هو أكثر إثارة للدهشة في استقالة عطية هو اتهامه الواضح بتقزيم وتهميش أي محاولة للتجديد داخل الحزب. فقد أشار إلى أن جهوده في تقديم مقترحات لتطوير الحزب كانت قوبلت دائماً بالتجاهل والتقليص المتعمد.
وهو ما أكده عندما تحدث عن تهميش اجتماعات الحزب في القليوبية، وعدم السماح لأي قيادات شبابية بالظهور أو الحصول على منصب قيادي.
يبدو أن هذا النهج قد ساهم في تجفيف دماء الحزب السياسية، بحيث أصبح الوفد يفتقر إلى أي رؤية استراتيجية تواكب التحديات السياسية الحالية في الشارع المصري.
إصرار على الجمود والهدم الذاتي
إن ما ذكره عطية عن “إصرار” بعض قيادات الحزب على الصراعات الداخلية يعد أحد أبرز الأسباب التي جعلته يقرر الاستقالة. فقد كشف عن حالة من الانشغال التام بمناصب ضيقة ومصالح شخصية على حساب المصلحة العامة للحزب.
وعوضاً عن التركيز على القضايا السياسية الملحة أو تطوير علاقات مع الشارع المصري، أصبحت مسألة “البقاء داخل المقر” و”التمسك بالسلطة” هي الشغل الشاغل للبعض. هذه السياسات جعلت الحزب يبتعد عن الواقع وتظهر بشكل صارخ التدهور المستمر في مكانته على الساحة السياسية.
الفشل في بناء جسور الثقة والتواصل
التقارير التي وردت في استقالة عطية تتحدث عن فقدان الثقة بشكل كامل بين القيادات والأعضاء، خاصة فيما يتعلق بوعد قيادة الحزب بتحقيق التغيير وإعادة البناء.
فبعد سنوات من الوعود غير المفعلة، أصبحت الجسور بين الأعضاء والقيادات مدمرة تماماً، الأمر الذي دفع بالكثيرين من قيادات الوفد وأعضائه الكرام إلى مغادرة الحزب بحثاً عن بيئة سياسية أكثر شفافية وحيوية. وكما ذكر عطية، فقد كان هناك “عدد قليل جداً” من القيادات التي “تعبث” بمستقبل الحزب، مشيراً إلى أن هذه القيادات كانت تسيطر على معظم المناصب وتتحكم في سير العمل الحزبي لصالحهم الشخصي فقط.
منظومة التوريث والمصالح الضيقة
ثم تأتي النقطة الأكثر إثارة في التقرير؛ فقد أشار عطية إلى وجود “أشخاص لهم أكثر من منصب” داخل الحزب، بما في ذلك مناصب تنفيذية وسياسية، وأحياناً نيابية.
هؤلاء الأشخاص الذين احتكروا المناصب في الحزب، هم من كانوا يقفون حجرة عثرة أمام أي محاولات لتقديم قيادات جديدة من الشباب القادرين على تحمل المسؤولية.
لكن على ما يبدو، فإن الولاء والتعلق بالمصالح الشخصية كانا العنصرين الأكثر أهمية في إدارة هذه المناصب. هذه الظاهرة تسببت في حالة من الجمود داخل الحزب وأدت إلى تحوله إلى “تراث” لا يعبر عن الحاضر أو المستقبل.
تزايد الأزمات الداخلية
وكان من بين أسباب استقالة عطية، ظاهرة الشتائم المتبادلة بين أعضاء الحزب عبر “جروبات الوفد”، وهو ما يعد دليلاً صارخاً على تزايد الفوضى والانقسام الداخلي في صفوف الحزب.
إذ لم يُتخذ أي إجراء ضد هؤلاء الذين يمارسون الفتنة داخل صفوف الوفد، مما جعل الأجواء أكثر توتراً. هذه الأزمات الداخلية لم تكن مجرد خلافات عابرة، بل كانت تشير إلى أزمة أكبر تهدد استقرار الحزب وتماسكه.
الوفد بعيد عن الشارع المصري
ما بين فقدان التواصل مع القاعدة الشعبية وبين انعدام الرؤية السياسية، أصبح حزب الوفد لا يمثل نبض الشارع المصري كما كان في السابق.
ومع كل ما تم ذكره من انتقادات، أصبح من الواضح أن الحزب قد ابتعد تماماً عن دوره كـ “ضمير الأمة”. مع غياب الرؤية الجديدة وعدم الاستجابة لمطالب الشباب، بات الوفد غارقاً في صراعاته الداخلية وأصبح في عزلة عن القوى السياسية الفاعلة في مصر.
نهاية عهد الوفد؟
في نهاية استقالته، قدم عطية صورة قاتمة لمستقبل الحزب إذا استمر الوضع على ما هو عليه. فقد وصف الوفد بأنه “تراث” لم يعد يعبر عن الواقع المصري ولا عن تطلعات المواطنين، مؤكداً أن الحزب فقد بريقه وأصبح في صراعات مستمرة على “مناصب حزبية ضيقة”.
وتبقى التساؤلات عن مصير الحزب في ظل هذه الأزمة الخانقة وهل ستظل القيادة الحالية متمسكة بمصالحها أم أنها ستستجيب لنداء الإصلاح.