تقاريرمحافظات

كارثة زراعية تهدد مصر: الحكومة تفرط في مستقبل قصب السكر

في خطوة مدمرة جديدة، وافق مجلس الوزراء المصري على تحديد السعر الاسترشادي لمحصول قصب السكر لموسم 2025 ليصل إلى 2500 جنيه للطن، مما يطرح الكثير من علامات الاستفهام حول جدوى هذه الأسعار، التي من المفترض أن تكون حافزًا للمزارعين على الاستمرار في زراعة المحاصيل الاستراتيجية التي تعد من أهم الركائز في تأمين احتياجات السوق المحلية، وتقليل فاتورة الاستيراد، وفي ذات الوقت زيادة دخل المزارعين وتحفيز الإنتاج المحلي.

ولكن ما حدث على أرض الواقع يعكس فساد الحكومة المصرية وإهمالها الكامل لمصالح الفلاحين، الذين يمثلون شريحة أساسية في نسيج الاقتصاد المصري.

تفاصيل مدمرة تُظهر غياب التفكير الحكومي

من المؤسف أن هذا القرار يعكس عدم اكتراث الحكومة لمشاكل المزارعين ولا يراعي متطلباتهم في ظل الارتفاع المستمر لتكاليف الإنتاج.

وعند مقارنة الأسعار المقترحة مع المطالب المشروعة للمزارعين، نجد أن السعر المعلن لا يتماشى مع تكاليف زراعة قصب السكر التي تمثل عبئًا كبيرًا على المزارعين، مما يهدد بتكرار أزمة توريد المحصول التي وقعت في الموسم الماضي، حيث انخفضت معدلات التوريد بشكل كارثي.

لم يأخذ المسؤولون في الحكومة في اعتبارهم أن هذا المحصول الاستراتيجي، الذي يعد أساس صناعة السكر في البلاد، مهدد بالانهيار في حال استمرار هذا التجاهل لاحتياجات المزارعين.

مزارعو قصب السكر يواجهون تدهورًا اقتصاديًا

أوضح العديد من مزارعي قصب السكر في جنوب الصعيد، في تصريحاتهم، أن الحكومة تتجاهل بشكل صارخ المشاكل التي يواجهونها. يقول أحد المزارعين في دار السلام بمحافظة سوهاج أن تحديد الأسعار دون التشاور مع الفلاحين هو السبب الرئيسي في تدهور الوضع الزراعي.

وأضاف أن المزارعين يجب أن يكون لهم دور رئيسي في تحديد السعر بناءً على التكاليف الحقيقية التي يتحملونها بدءًا من عملية الزراعة وحتى عملية النقل والتسليم للمصانع.

فكيف يمكن للمزارع الذي يتحمل عبئًا ضخمًا من تكاليف الأسمدة والسولار والأيدي العاملة أن يحقق ربحًا أو حتى لا يعاني من خسارة فادحة؟

زيادة التكاليف لا تتناسب مع الأسعار المقررة

المفاجأة الكبرى أن بعض المزارعين لا يستطيعون تغطية تكاليف الزراعة. فعلى سبيل المثال، يصل إجمالي تكاليف زراعة فدان قصب السكر إلى حوالي 62 ألف جنيه، بينما السعر الذي تحدده الحكومة لطن السكر لا يتجاوز 2500 جنيه، مما يعني أن المزارع يخسر حوالي 3000 جنيه في كل فدان يتم توريده.

هذا الوضع يدفع الكثير من المزارعين إلى التوقف عن زراعة القصب واللجوء إلى محاصيل أخرى أكثر ربحًا، أو بيع المحصول مباشرة إلى عصارات العسل الأسود التي تدفع أسعارًا أعلى من سعر الحكومة بمقدار يصل إلى 50 ألف جنيه لكل فدان.

حكومة تضر الاقتصاد بشكل مباشر

المأساة لا تقف عند هذا الحد، بل تمتد لتشمل تأثيرًا كارثيًا على الاقتصاد المصري ككل. فالتجاهل الحكومي لاحتياجات المزارعين وعدم التوصل إلى تسوية منطقية يعنى أن الحكومة ستضطر إلى الاستيراد من الخارج لتلبية احتياجات السوق، مما يؤدي إلى استنزاف العملة الأجنبية.

وبالتالي فإن هذه السياسات ستجعل أزمة العملة الصعبة تتفاقم بشكل كبير، وبدلًا من تحسين الوضع الاقتصادي للبلاد، ستزيد من الأعباء الاقتصادية التي تثقل كاهل المواطن المصري.

تدهور الصناعة وتفشي الفساد الحكومي

بالإضافة إلى ذلك، تساهم الحكومة المصرية بشكل مباشر في تدمير صناعة قصب السكر، التي تساهم في توفير أكثر من مليون طن من السكر سنويًا، فضلاً عن العديد من الصناعات الأخرى المرتبطة به مثل صناعة الورق والعسل الأسود.

هذا التدهور في الإنتاج يهدد آلاف الوظائف في هذه الصناعات، بالإضافة إلى التأثيرات السلبية على ملايين المواطنين الذين يعتمدون بشكل مباشر على زراعة وتصنيع وتسويق هذا المحصول.

المستقبل المجهول للمزارعين

مع مرور الوقت، يبدو أن الأمور ستزداد سوءًا بشكل لا يمكن تجاهله. فعدم تحديد سعر عادل يغطي تكاليف الإنتاج لا يهدد فقط بتوقف المزارعين عن زراعة المحصول، بل يفتح الباب أمام تدهور كامل لهذه الزراعة الاستراتيجية.

وإذا استمرت الحكومة في تجاهل هذه الأزمات، فقد تجد نفسها في مواجهة أزمة اقتصادية طاحنة، من خلال اضطرارها لزيادة الاستيراد وتحمل مزيد من الأعباء المالية.

هذا الموقف غير المسؤول يعكس فشلًا حكوميًا واضحًا في اتخاذ القرارات الصائبة التي يمكن أن تساهم في تحسين وضع المزارعين وتعزيز الإنتاج المحلي.

إن تراجع الحكومة في اتخاذ قرارات اقتصادية حاسمة، وسوء تقديرها للواقع الزراعي، يهدد بمزيد من الأزمات التي لا يمكن تخيل حجم آثارها.

قرار تحديد سعر توريد محصول قصب السكر جاء ليؤكد أن الحكومة لا تمتلك استراتيجية حقيقية لإنقاذ الزراعة في مصر، بل تؤكد كل يوم على فساد النظام الذي يفضل مصالحه الخاصة على حساب مصلحة الشعب والمزارعين.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button