كلمة ماعت في اللغة الفرعونية القديمة تعني النظام والعدل والحقيقة، وهي مفهوم مركزي في الفكر المصري القديم يعبر عن القيم الأخلاقية والكونية التي تنظم الحياة والكون.
ماعت كانت تُجسد في صورة إلهة تحمل ريشة على رأسها، وترمز إلى الحق والعدالة، وكان الملوك يقدمون أفعالهم وفقًا لهذا المبدأ لضمان استقرار المملكة ورضا الآلهة.
أما كلمة “إزفت” في اللغة الهيروغليفية القديمة، فهي تعني الظلم ، وتُستخدم للإشارة إلى عكس “ماعت”. وكانت “إزفت” تمثل كل ما يهدد توازن البلاد ، مثل الظلم، والكذب، والفوضى.
في الفكر المصري القديم، كان الهدف الأساسي للحاكم هو التغلب على “إزفت” والحفاظ على “ماعت” لتحقيق السلام والازدهار.
وفي مصر الفرعونية، -ايضا-كان طقس “الأربعين” محوريًا في تقييم الحكم.
فبعد أربعين يومًا من وفاة الفرعون، كان الكهنة يقدمون كشف حساب عن أعماله. فإذا كانت أفعاله “ماعت”، أي طيبة، يُدفن في مقابر الملوك. أما إذا كانت “أزفت”، أي ظالمة، يُدفن في مقابر مجهولة. ومنذ تلك العصور، أصبح طقس الأربعين تقليدًا يرمز إلى لحظة للحساب والتأمل.
تذكرت هذا التقليد وأنا أقرأ مقالًا اليوم في موقع اخبارالغد للأستاذ ماهرمزيوب، مساعد رئيس البرلمان التونسي “الشرعي”، يتحدث فيه عن أربعين يومًا مرت على إعلان الرئيس قيس سعيد رئيسًا للجمهورية التونسية.
حقا أربعون يومًا مليئة بالقمع والاستبداد، حيث تحولت السجون إلى ملاذ للمرشحين والمعارضين والصحفيين، في انتكاسة هي الأخطر على التجربة الديمقراطية في العالم العربي.
في الأربعين يومًا الأخيرة، منذ مراسم العزاء في الديمقراطية التونسية يوم 6 أكتوبر 2024 وحتى اليوم،
ارتكب الرئيس قيس سعيد أفعالًا تؤكد أن مسار تونس انحدر نحو قاع الاستبداد مثالا لذلك: ▪️صدور أحكام جائرة واتهامات زائفة بحق الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي، أحد أبرز المدافعين عن حرية تونس وكرامة شعبها، تُضاف إلى سلسلة طويلة من الاستهدافات السياسية الملفقة والمثيرة للسخرية.
الزجّ بالمرشح الرئاسي العياشي زمال، الذي حلّ في المركز الثاني في الانتخابات، في السجن منذ 2 سبتمبر 2024، وحكم عليه بـ35 عامًا‼️تهمته الوحيدة؟ أنه فكّر في منافسة الرئيس الحالي، ليواجه سلسلة لا تنتهي من القضايا الوهمية.
الحكم على النائب الديمقراطي المحترم والمحبوب عماد الدائمي، الذي منع من الترشح رغم صدور أحكام قضائية لصالحه.
استبعاد عماد لم يكن إلا محاولة لتصفية الأصوات المعارضة القادرة على تقديم بديل حقيقي عن نظام ( الازفت ) قيس سعيد الفاشل.
إن ما يفعله قيس سعيد مع خصومه اليوم يعيد إلى الأذهان مشاهد تاريخية رائعة . أستذكر كيف واجه الرئيس المنصف المرزوقي منافسيه بشجاعة نبيلة، ولم يستخدم أدوات القمع رغم أنه كان قادرًا على ذلك. في انتخابات خسرها بفارق ضئيل، ظل المرزوقي رمزًا للديمقراطية والكرامة.
تذكرني هذه اللحظة أيضًا بتجربتي الشخصية في مصر عام 2005، حين شاركت في أول انتخابات رئاسية تعددية ضد الرئيس الأسبق حسني مبارك. حللت في المركز الثاني، ولم تمر أيام حتى وُضعت خلف القضبان، وقضيت خمس سنوات في السجن.
إن ما يحدث في تونس ليس مجرد أزمة سياسية عابرة، بل انقلاب كامل على قيم الديمقراطية التي ضحّى من أجلها الشعب التونسي. إنها محاولة لتكريس دولة القمع،
وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، في بلد كان يومًا مهدًا للربيع العربي.
من هنا، أدعو المجتمع الدولي وكل القوى الديمقراطية في الإقليم والعالم إلى الوقوف بحزم للدفاع عن التجربة الديمقراطية التونسية. كما أطالب بالإفراج الفوري عن رئيس البرلمان الشرعي #راشد_الغنوشي وكل المعتقلين السياسيين الذين زُجّ بهم في السجون بسبب اختلافهم مع السلطة الحالية.
تونس الثورة، التي ألهمت العالم يومًا ما، لا يجب أن تُترك ضحية للاستبداد. الحرية لن تُدفن، والديمقراطية ستبقى منتصرة مهما طال ليل الظلم.
وكما يقول أستاذنا الجليل الدكتور المنصف المرزوقي ➗
اما ننتصر او ننتصر