منذ سنوات يعاني المواطن المصري من صعوبة تلبية احتياجاته الأساسية في ظل ارتفاع مستمر لأسعار السلع والخدمات.
ومع كل زيادة في الأسعار، تتفجر الخلافات داخل البيوت، فالجوع والفقر أصبحا سببًا رئيسيًا في زيادة حالات الطلاق والعنف الأسرى.
في الوقت الذي تتجاهل فيه الحكومة هذه الأزمة، يستمر المواطن في مواجهة وضع اقتصادي مرير يدفعه إلى اتخاذ قرارات كارثية قد تكون أولها التفكك الأسري.
معاناة يومية بسبب الأرقام المدمرة
الأسعار التي تتزايد يومًا بعد يوم أضحت تؤرق كل أسرة مصرية. مع كل ارتفاع في تكلفة السلع الأساسية، يزداد التوتر بين الأزواج ويبدأ الحوار المحموم حول توفير قوت يومهم.
تلك الزيادة الهائلة في الأسعار لا تميز بين الطبقات، حتى الأسر التي كانت تتمتع بقدر من الاستقرار المالي لم تعد قادرة على مواكبة الزيادة في الأسعار.
معظم الأسر أصبحت تجترُّ صراعًا يوميًا في كيفية تدبير احتياجاتها، فالأبناء لا يجدون مصروفات مدارسهم ولا حتى متطلبات الحياة اليومية.
وفي ظل هذا الضغط المادي، أصبح الحديث عن الانفصال هو الحل الأكثر تداولًا في بعض الأسر. أزمة الحياة اليومية التي كانت تقتصر على المحرومين أصبحت تطال الجميع، فلم يعد أحد في مأمن من زيادة الأسعار التي أضحت تهدد أجواء السلام داخل المنازل المصرية.
الواقع الجديد ينعكس على الأسرة والمجتمع
كان من المفترض أن تكون الأسرة المصرية في عمق المجتمع، تحت مظلة حماية حكومية ورعاية اقتصادية، إلا أن الواقع أثبت العكس.
فالحكومة في واد والشعب في وادٍ آخر، حيث لم تقدم أي حلول حقيقية لمعالجة هذا الوضع المتأزم. تطور الأمر إلى ما يشبه الكارثة، حيث تزايدت حالات الطلاق،
كما ارتفعت معدلات العنف الأسري، ليصبح الغلاء الاقتصادي أحد الأسباب الرئيسية التي تؤدي إلى تفكك الأسرة.
في إحدى الحكايات، قالت إحدى المواطنات التي تعيش حياة صعبة مع زوجها، إن الأزمات المالية حولت حياتهم إلى جحيم. يوميًا، تتكرر المشاجرات بسبب ارتفاع الأسعار، وأحيانًا لا يستطيع زوجها توفير الطعام أو احتياجات أبنائهما، الأمر الذي يجلب حالة من الإحباط والقلق المستمر.
تقول هذه المواطنة: “نحن نغرق في المشاكل المالية، والضغط النفسي أصبح لا يُحتمل، حتى أنني بدأت أخشى من المستقبل”، معبرة عن قلقها المتزايد على أطفالها وما قد يعانونه في المستقبل بسبب الوضع المادي المتدهور.
الغلاء يضاعف الأزمات النفسية والزوجية
الأرقام لا تكذب، ففي كل دقيقة تقريبًا، يتم الطلاق في إحدى البيوت المصرية، ويزداد العنف الأسري بشكل غير مسبوق. بيوتنا أصبحت ساحة معركة يومية بين الأزواج، وكلما ازداد الضغط المالي، كلما كانت النتائج أكثر تدميرًا.
الأزواج لم يعودوا قادرين على التفاهم بسبب الضغوط المادية المتزايدة، والكل يتساءل: إلى متى سنظل في هذا المستنقع الاقتصادي؟
فيما يخص الوضع النفسي، فقد أظهرت الدراسات أن نسبة الخلافات بين الأزواج تزداد بشكل كبير، حيث أصبح التوتر والقلق جزءًا من حياتهم اليومية.
أحد المتخصصين في العلاج النفسي أكد أن هذا الوضع ينعكس سلبًا على الأطفال أيضًا، فالأطفال الذين يعانون من نقص في احتياجاتهم لا يستطيعون التأقلم بشكل جيد مع هذه الضغوط النفسية، مما يهدد صحتهم النفسية ويؤثر على مستقبلهم.
نصف الشعب يعمل لتغطية نفقات نصفه الآخر
في مشهد آخر لا يختلف كثيرًا، يواصل أحد الأبناء العمل في أكثر من مهنة ليُساهم في توفير احتياجات أسرته، في محاولة للتخفيف من العبء المالي الذي يثقل كاهل العائلة.
يقول الأب: “لم أعد أستطيع تلبية جميع احتياجات المنزل، لكن ما باليد حيلة. أنا أجتهد في أكثر من عمل يوميًا، وأبنائي يساهمون في تحمل المسؤولية على قدر طاقتهم”. ورغم هذه الجهود المتواصلة، إلا أن الوضع المالي في مصر لا يتحسن، بل يزداد سوءًا.
الركود الاقتصادي الذي تمر به البلاد أضاع فرص الحياة الكريمة للأسر المصرية، وأدى إلى تأزيم الأوضاع الاجتماعية.
فبينما كان بالإمكان تلبية احتياجات المواطنين من وظائف ثابتة ودخل ثابت، أصبحوا اليوم مضطرين للعمل في عدة وظائف أو الحصول على مساعدات خارجية لمواجهة التضخم المستمر.
حكومة في غيبوبة وشعب يغرق في الأزمات
على الرغم من هذه التحديات الكبرى التي يعيشها المواطنون، لا تزال الحكومة في غيبوبة تجاه هذه الأزمة الكبرى. في الوقت الذي تتزايد فيه الاحتجاجات والصراخ من الشعب، يستمر المسؤولون في تصدير الحلول المسكنة التي لا تمت للواقع بصلة.
لا يخفى على أحد أن الحكومات المتعاقبة لم تقدم أي حلول جذرية لتفادي تلك الأزمات الاقتصادية المتفاقمة، بل إن العديد من السياسات المتبعة كانت تزيد الوضع سوءًا وتعمق الأزمة المالية التي تعيشها الأسر.
مستقبل مشوب بالقلق
ولا يبدو أن هناك بصيص أمل في الأفق. الوضع يتفاقم مع كل يوم، والشعب المصري يواجه مصيرًا غامضًا في ظل هذه الظروف الصعبة.
الأسعار لن تتوقف عن الارتفاع، والضغط النفسي سيكون له آثار طويلة المدى على صحة المواطنين وحياتهم الاجتماعية.
ومع تزايد هذه الأزمات، أصبح السؤال الأكثر طرحًا: إلى متى سيظل هذا الوضع على حاله؟ وهل هناك أمل في تحسين الظروف، أم أن الواقع المرير سيستمر في ضرب كل أمل في الحياة الكريمة؟
الأسر المصرية تئن تحت وطأة هذه الأزمات المدمرة، ولا يبدو أن هناك تحركًا حقيقيًا من الحكومة لمواجهة هذه الكارثة.