في تطور مثير يكشف عن حجم التقاعس الحكومي الفاضح في مصر تأتي قضية أستاذة الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتورة عالية المهدي لتتصدر المشهد وتكشف عن جانب مظلم في الإدارة الاقتصادية والسياسية للبلاد قضية تم التلاعب فيها من قبل الحكومة لأغراض لا تخفى على أحد
وتؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن هناك محاولات للتعتيم على المشاكل الاقتصادية الكبرى التي يواجهها الشعب المصري في ظل سياسة الدعم النقدي للخبز تلك السياسة التي تؤثر على كل فرد في مصر، وتضعه أمام تحديات جديدة تتعلق بقوت يومه وتحتاج إلى شجاعة وشفافية تفتقر إليهما الحكومة الحالية.
محاولات الحكومة للتغطية على الفشل الاقتصادي عبر تشتيت الأنظار
بمجرد أن اقتربنا من يوم الخميس، الذي يعتبر بمثابة يوم “الصب في المصلحة” كما يطلق عليه في الأوساط الشعبية، بدأت محاولات التغطية على ما يواجهه المصريون من أزمات اقتصادية خانقة عبر إثارة قضايا جانبية مثل قضية الدكتورة عالية المهدي.
وهي قضية ليست سوى أداة لتشتيت الانتباه عن الموضوع الأكبر والأهم الذي يهدد معيشة ملايين المصريين وهو الانتقال إلى الدعم النقدي للخبز وما يحمله من تبعات كارثية على المواطنين الذين سيواجهون تكاليف إضافية لا طاقة لهم بها في ظل الارتفاع المستمر في أسعار المواد الغذائية.
في الوقت الذي تسعى فيه الحكومة لتجميل صورتها، تأتي هذه الحيلة التلاعبية لتبدد كل ما تبقى من ثقة في قدرتها على إدارة شؤون الدولة.
كان من المفترض أن تركز الحكومة على تقديم حلول فعالة للأزمة الاقتصادية الطاحنة التي يعاني منها المواطن المصري، إلا أنها قررت بدلاً من ذلك تحويل الأنظار إلى قضايا هامشية لا تعني إلا القليل بالنسبة للشعب الذي يعاني من ارتفاع الأسعار وتدهور قيمة العملة.
الانتقال إلى الدعم النقدي للخبز: خطوة كارثية وغياب تام للتخطيط الحكومي
تتمثل الأزمة الأكبر في عملية الانتقال إلى الدعم النقدي للخبز، وهو القرار الذي تم اتخاذه دون دراسة متأنية أو استشارة حقيقية للخبراء أو المواطنين.
الحكومة لم تقدم أي ضمانات حقيقية أو آليات فعالة لتنفيذ هذه الخطوة، بل تركت الناس يواجهون مصيرهم بدون دعم حقيقي. الحلول المعلنة لم تكن سوى ترقيعات لا تسمن ولا تغني من جوع، على الرغم من أن الدعم النقدي كان من المفترض أن يكون حلاً لتخفيف العبء عن المواطن المصري، إلا أنه أصبح عبئًا جديدًا على كاهله.
وبحسب ما أكده العديد من الخبراء الاقتصاديين، بما فيهم الدكتورة عالية المهدي، فإن هذا الانتقال لن يؤدي إلا إلى زيادة الأعباء على المواطنين خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الحالية.
كان من المفترض أن يتم تطبيق هذه السياسة بعناية فائقة مع خطة شاملة تضمن للناس تعويضًا حقيقيًا عن الفروق السعرية التي ستترتب على هذه الخطوة، ولكن للأسف، حكومة مصر تجاهلت هذه الحقائق وتابعنا القرارات المرتجلة التي تركت الشعب في مواجهة مباشرة مع الأزمات الاقتصادية.
غياب المسؤولية والشفافية في الحكومة المصرية
إذا كان هناك شيء واضح في هذه الأزمة، فهو غياب الشفافية والمسؤولية من جانب الحكومة في التعامل مع هذه القضية. فبدلاً من أن تقدم الحكومة شرحًا مفصلاً للآثار المحتملة للانتقال إلى الدعم النقدي للخبز، اختارت أن تنشغل بقضايا سطحية مثل قضية الدكتورة عالية المهدي، التي كانت في النهاية مجرد شماعة حاولت الحكومة تعليق فشلها عليها.
هذه الطريقة في التعامل مع الأزمات تعكس حقيقة واحدة: أن الحكومة عاجزة عن حل المشاكل الاقتصادية الكبرى التي تؤرق حياة الناس.
منذ بداية الأزمة الاقتصادية في مصر، كانت الحكومة تماطل في اتخاذ القرارات الحاسمة التي كان من الممكن أن تحد من تأثيراتها السلبية على الطبقات الفقيرة.
بدلًا من ذلك، تم التعامل مع القضايا الجوهرية على أنها مسائل تافهة، وكأن المواطنين ليس لهم حقوق في معرفة ما يحدث مع دعم الخبز، الذي يعتبر حقًا أساسيًا لهم.
الناس في خطر، والحكومة في غيبوبة
من المثير للدهشة أن الحكومة تواصل تجاهل حقيقة أن المواطنين في خطر حقيقي. مع ارتفاع الأسعار وندرة بعض السلع الأساسية، يجد المواطن نفسه أمام خيارين لا ثالث لهما: إما أن يعاني من قسوة الوضع الاقتصادي أو أن يتقبل قرارًا حكوميًا غير مدروس تمامًا، وهو الانتقال إلى الدعم النقدي للخبز.
الدكتورة عالية المهدي، التي كانت قد أعربت عن قلقها من تداعيات هذه السياسات، أكدت أن الحكومة لم تقدم أي رؤية واضحة أو استراتيجية شاملة لتمكين المواطن من التأقلم مع هذا التحول الاقتصادي.
بل على العكس، كانت الحكومة تتعامل مع الموضوع وكأنه مجرد قضية تقنية بسيطة يمكن تجاوزها، في الوقت الذي كان من الواجب أن يكون هناك تحرك عاجل لتوضيح تأثيرات هذه السياسة وتقديم حلول مبتكرة لضمان حصول المواطنين على حقوقهم.
الحل يكمن في التغيير الحقيقي
إن ما يحدث الآن هو مجرد نتاج لسياسات فاشلة وتعامل غير مسؤول من قبل الحكومة مع الشعب المصري. ولن يتحقق أي تقدم في الأوضاع الاقتصادية إلا إذا كانت هناك إرادة سياسية حقيقية للإصلاح، وإذا تم اتخاذ خطوات ملموسة لتحسين الوضع المعيشي للمواطنين.
التحول إلى الدعم النقدي للخبز ليس مجرد قرار اقتصادي، بل هو مؤشر على كيفية إدارة الحكومة للأزمات الكبرى، وأثبتت الحكومة المصرية أنها غير قادرة على تقديم حلول حقيقية للمشاكل التي تؤرق حياة المصريين.
وفي الوقت الذي يحتاج فيه المواطنون إلى سياسات تضمن لهم حياة كريمة، فإن الحكومة تواصل إلهاء الناس بقضايا هامشية بعيدًا عن التحديات الحقيقية التي يواجهونها.
من هنا يجب أن يكون الحل الحقيقي في أن تعترف الحكومة بحجم الأزمات التي يواجهها المواطن، وأن تقوم بخطوات عملية تعيد ترتيب أولوياتها السياسية والاقتصادية.