في حادثة هزت الرأي العام المصري، تم القبض الدكتورة وسام شعيب، الطبيبة المتخصصة في النساء والتوليد، بعد أن قامت بنشر فيديو مثير على منصات التواصل الاجتماعي.
الفيديو الذي شاهده الآلاف، كشف فيه عن معاناة العديد من الفتيات في المجتمع المصري، وتحدثت فيه عن ظاهرة العلاقات غير الشرعية التي أصبحت سمة بارزة في المجتمع.
الدكتورة وسام لم تكتفِ بذلك بل تحدثت عن واقع التفسخ الأخلاقي الذي تعيشه مصر اليوم. تصريحها جاء كالصاعقة على نظامٍ فشل في حماية قيم المجتمع، وأغفل دوره في الحفاظ على الأخلاق.
سرعان ما اجتاحت التصريحات منصات التواصل الاجتماعي، حيث تداولها المواطنون بشدة بين مؤيد ومعارض. فبينما أيد البعض حديث الطبيبة، معتبراً أنها لم تقل إلا الحق، شن آخرون هجوماً عنيفاً ضدها.
النقابة العامة للأطباء، التي كانت تترقب الرد على هذه القضية الحساسة، سارعت إلى تحويل الدكتورة وسام للتحقيق، كما فعلت النيابة الإدارية. وهو ما فتح أبواب الجدل حول ما إذا كان القبض لمجرد التعبير عن رأي صريح وكاشف للحقائق، أم أن وراء الأكمة ما وراءها من تدخلات سياسية تهدف إلى إسكات الأصوات المعارضة للنظام.
الحكومة المصرية تتجاهل قضايا الشعب لصالح أجندتها الخاصة
وما يزيد الطين بلة هو أن الحكومة المصرية التي لم تتخذ أي إجراءات جدية لمكافحة التفسخ الأخلاقي، أو حتى الاعتراف بالواقع المأساوي الذي تعيشه العديد من فئات الشعب، سارعت إلى تحويل الطبيبة إلى التحقيق،
وبدلاً من محاسبة المسؤولين عن الوضع المتردي، اهتمت بتكميم الأفواه. إن هذه الخطوة لم تكن مفاجئة في ظل نظام يعتاد التضييق على من يتجرأ على كشف الحقائق المخفية.
في الوقت الذي كانت فيه السلطات تتسابق للانتقام من الطبيبة، كانت معطيات الوضع الاقتصادي والاجتماعي تتفاقم بشكل مرعب.
أرقام رسمية من الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء أظهرت أن هناك أكثر من 112 ألف حالة زواج عرفي تم توثيقها في عام 2022 فقط، في وقتٍ يواجه فيه الشباب المصري صعوبة في الزواج بالطريقة التقليدية بسبب الأزمة الاقتصادية الطاحنة. هذا الرقم لا يشمل العلاقات غير الشرعية التي تشهد ازدياداً خطيراً في ظل غياب الرقابة.
الإعلام المصري: القاضي الأول أم أداة للضغط السياسي؟
المثير للدهشة هو دور الإعلام المصري الذي صار بمثابة القاضي الأول في هذه القضية. الصحف والبرامج الإعلامية التي طالما طالبت بتعزيز دور الأخلاق والقيم، راحت تقف ضد الطبيبة وتصفها بالانحلال، بل ذهب البعض إلى المطالبة بشطبها من نقابة الأطباء ومحاكمتها.
وكأن الكشف عن هذا الواقع المدمر هو جريمة يعاقب عليها القانون! أما المجتمع، فقد ظل غارقاً في نفاقه، مدافعاً عن ضياع القيم في الوقت الذي كان يجب أن يصحح فيه الأوضاع بدلاً من الوقوف على الحياد أو محاكمة الحقيقة.
نظام الحكم يساهم في تدمير القيم ويسمح بتفشي الفساد
ماذا يعني أن يصبح الحديث عن الواقع الاجتماعي وفساد الأخلاق جريمة؟ هذا السؤال يطرحه الجميع، وخصوصاً بعد أن خرجت العديد من الدراسات والإحصائيات التي تؤكد على خطورة الوضع الحالي. فبينما تواصل الحكومة سياسة تكميم الأفواه والتغطية على الفساد، يتواصل تدهور الوضع الأخلاقي في المجتمع.
قد يبدو أن مصر قد دخلت في دوامة من التدهور الذي يطال جميع الجوانب الحياتية: من تعليم وصحة واقتصاد وأمن.
لقد تحولت الدولة إلى مجرد آلة إدارية تابعة للسلطة، لا تلقي بالاً لمشاكل شعبها اليومية، بل وتتحاشى المواجهة مع الحقائق المرة. كيف يمكن لمنظومة فاسدة أن تبني مجتمعا سليماً؟ الإجابة واضحة: لا يمكن.
أين دور المؤسسات الدينية في مواجهة التفسخ الأخلاقي؟
الدكتورة وسام، في حديثها، لم تكتفِ بانتقاد الحكومة والنظام، بل كشفت عن حقيقة غياب دور المؤسسات الدينية في مواجهة هذه الظواهر السلبية.
وأكدت أن غياب الدور الحقيقي للمؤسسات الدينية وابتعادها عن قضايا المجتمع اليومية أتاح الفرصة للفساد ليزداد وينتشر. في ظل غياب الرقابة والتوجيه الأخلاقي، بات الوضع أكثر سوءاً، حيث اختلط الحابل بالنابل وتداخلت القيم مع المصالح الخاصة.
الحكومة تُراوغ ولا تعترف بمسؤولياتها
إذا كانت الحكومة المصرية جادة في محاربة الفساد الأخلاقي، فلا بد أن تبدأ بمحاسبة المسؤولين الذين ساهموا في نشر هذه الظواهر السلبية داخل المجتمع.
الحكومة ليست فقط عاجزة عن معالجة الأسباب الحقيقية للأزمة الأخلاقية، بل هي أيضاً تتعاون بشكل غير مباشر في تغذيتها من خلال صمتها وتجاهلها للمشكلات الحقيقية. أن تتم معاقبة طبيبة تسعى لكشف هذه الحقيقة هو دليل قاطع على أن المسؤولين في مصر يهتمون بحماية مصالحهم الخاصة على حساب المواطنين، بل وعلى حساب قيم المجتمع الذي تعيش فيه هذه الحكومة.
مستقبل مظلم في ظل الفساد الحكومي
إن القبض علي الدكتورة وسام شعيب لا يعد مجرد حادثة معزولة، بل هو بمثابة علامة فارقة تكشف عن عجز النظام الحاكم في مواجهة أزمات المجتمع.
إذا كانت الحكومة عاجزة عن مواجهة الانحلال الأخلاقي، فكيف لها أن تواصل حكم البلاد؟ والأسئلة تبقى معلقة: إلى متى سيظل النظام يتهرب من مسؤولياته؟ إلى متى ستستمر الحكومة في محاربة من يسعى للفت الانتباه إلى حقيقة مأساوية؟