في الوقت الذي تستمر فيه تداعيات فضيحة الفيديو الشهير للطبيبة في كفر الدوار، التي ألقت الضوء على فساد في قطاع الطب، خرجت مفاجأة جديدة تهز أركان الثقة في النظام الطبي في مصر.
طبيبة أخرى، ادعت عملها في مجال التحاليل الطبية، اختلقت فضيحة أشد كارثية من سابقتها، حيث زعمت أنها أجرت تحاليل “DNA” لعدد من المواطنين بهدف إثبات النسب، لتتفجر كارثة جديدة، إذ أظهرت النتائج أن الأطفال ليسوا من نسل الآباء الذين ادعت الفحوصات نسبة النسب لهم.
نصب واسع النطاق في ظل غياب الرقابة الحكومية
تداول فيديو السيدة على نطاق واسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ليتضح بعد التحقيقات أن السيدة لا تمت بأي صلة للمجال الطبي. هذه السيدة التي تعيش في محافظة كفر الشيخ ليست طبيبة كما ادعت، بل حاصلة على بكالوريوس في العلوم الزراعية، وما زاد الأمور تعقيدًا أنها تدير معمل تحاليل طبية غير مرخص.
تحولت منشأتها إلى مكان للنصب والاحتيال على المواطنين البسطاء الذين وقعوا ضحايا لها، وذلك عبر صفحات طبية على مواقع التواصل الاجتماعي التي تروج لها، الأمر الذي يكشف تقاعسًا فاضحًا من الجهات المختصة، التي لم تتحرك لوقف هذه الجريمة إلا بعد وقوع ضحايا.
أثار هذا الكشف موجة من الغضب على مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصًا بعد أن اكتشف الجميع أن الفتاة استغلت ثقة المواطنين في هذه التحاليل لاستخلاص أرباح مادية ضخمة،
في حين أنها كانت تقوم بتشويه حياة الأسر المصرية وتدمير سمعة أطفالهم. ومما يزيد الأمر صعوبة أن هذا النوع من التلاعب لا يمكن تصوره في أي مجتمع يحترم معايير الأخلاقيات الطبية.
حكومة تقاعست عن مواجهة الفساد الطبي المتفشي
القضية لا تتوقف عند هذه السيدة فقط، بل تكشف عن مشكلة أعمق وأكبر تتعلق بغياب الرقابة الحقيقية على المرافق الطبية في مصر، حيث تتساهل الحكومة مع تجار الطب الذين لا يبالون بقيم الإنسانية ولا قوانين الدولة. الأجهزة الحكومية التي من المفترض أن تكون حامية لحقوق المواطن المصري، تجد نفسها غائبة عن متابعة عمليات الاحتيال التي تتم في السر.
المسؤولون الذين يتمتعون بمناصب قوية في وزارة الصحة أو الجهات التنظيمية الأخرى لم يتخذوا أي إجراءات حاسمة ضد الممارسات المشبوهة التي ينفذها أصحاب المعامل غير المرخصة، ما يعني أنهم إما متواطئون أو غير مدركين لحجم الكارثة.
فبعد أن أقدمت السيدة على إجراء تحاليل DNA دون ترخيص قانوني، مما تسبب في خراب عائلات وتعريض حياتهم للخطر، تم القبض عليها من قبل وزارة الداخلية، حيث اعترفت بالواقعة كاملة بعد مواجهتها.
لكن المعضلة تكمن في استمرار ظهور مثل هذه الجرائم التي تتم على مرأى ومسمع من الحكومة دون اتخاذ إجراءات حازمة ضدها قبل وقوع الضحايا.
القبض على الطبيبة المزيفة: هل هذا يكفي؟
عقب تقنين الإجراءات، قامت قوات الأمن بالقبض على السيدة المزيفة في كفر الشيخ، لتصدم الجميع بكشفها أنها كانت تهدف من وراء تلك الأكاذيب إلى تحقيق نسب مشاهدات عالية لصفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي، وبالتالي تحصيل أرباح مالية من خلال استغلال معاناة الأسر.
وبحسب القانونيين، تواجه السيدة عدة اتهامات تتراوح بين “انتحال صفة طبيب” و”إدارة منشأة طبية دون ترخيص” و”نشر شائعات” بهدف تحقيق مصالح شخصية على حساب المواطنين.
الأسئلة التي تظل بلا إجابة: لماذا لم تتحرك السلطات بشكل أسرع؟ لماذا يظل هذا النوع من الاحتيال يحدث في وضح النهار؟ هل هناك تقاعس في تطبيق القوانين؟
القضية تتفاقم: الطبيبة وسام شعيب في مرمى التحقيقات
القضية أخذت منحنى أكثر تعقيدًا بعد يوم واحد فقط من القبض على السيدة المزيفة في كفر الشيخ، حيث تم القبض على الطبيبة “وسام شعيب”، المتخصصة في أمراض النساء، والتي أثارت ضجة كبيرة على منصات التواصل الاجتماعي بعد نشر فيديوهات تكشف فيها أسرارًا شخصية لمرضاها، لتفجر قنبلة أخرى تتعلق بوجود حالات حمل ناتجة عن علاقات سفاح.
تم حبسها لمدة 4 أيام على ذمة التحقيقات بتهم انتهاك خصوصية المرضى ونشر المعلومات الطبية المحظورة التي تهدد سمعة المتورطين.
أسئلة محيرة حول دور الحكومة ووزارة الصحة
في كل خطوة من هذه الأحداث، تظهر علامات استفهام كبيرة حول مدى تواطؤ الحكومة مع الفساد المستشري في القطاع الطبي.
كيف يمكن لمثل هذه الجرائم أن تمر دون عقاب؟ وهل هذا يعكس ضعفًا متزايدًا في قدرة الدولة على حماية حقوق المواطنين؟ أم أن هناك فسادًا عميقًا يجعل من المستحيل كشف هؤلاء المجرمين قبل أن يتسببوا في أضرار جسيمة؟
من خلال هذه الفضيحة وغيرها من الأحداث المتتالية، أصبح من الواضح أن الوضع الصحي في مصر يواجه أزمة حقيقية، وأن المسؤولين في الحكومة، بمن فيهم في وزارة الصحة، يقفون مكتوفي الأيدي أمام هذه الكوارث. بينما يستمر المواطن المصري في دفع الثمن في ظل غياب المساءلة والرقابة الفعالة.
استمرار الفوضى الطبية تحت سمع وبصر المسؤولين
اليوم، نجد أنفسنا أمام واقع مأساوي يضع حياة المواطنين في خطر. الطبيبة المزيفة في كفر الشيخ، مثلها مثل الطبيبة شعيب، ما هي إلا جزء من منظومة فاسدة تتلاعب بالأنظمة القانونية والرقابية في الدولة.
وكلما استمر هذا الوضع، تتسع الهوة بين الحكومة والشعب، وينكشف الفشل الكبير في إدارة القطاع الصحي في مصر، الذي أصبح مرتعًا للفساد والنصب على المواطنين البسطاء.