في ظل أزمةٍ تتفاقم بشكل يومي، أصبح رشق القطارات بالحجارة في العديد من المحافظات المصرية ظاهرة مستمرة تهدد سلامة المواطنين وتعيق تطور نظام النقل الذي يعاني أصلاً من الإهمال والفساد.
رغم المحاولات المتكررة من قبل الهيئة القومية لسكك حديد مصر لاحتواء هذه الظاهرة من خلال تركيب كاميرات مراقبة في الجرارات، لا يزال المشهد ينذر بكارثة، بينما تغض الحكومة الطرف عن محاسبة المسؤولين، وتكتفي بالتصريحات الفارغة التي لا تعالج جوهر المشكلة.
الهيئة القومية لسكك حديد مصر تتحرك.. لكن إلى أين؟
أعلنت الهيئة القومية لسكك حديد مصر عن نيتها تركيب كاميرات داخل الجرارات لرصد المتسببين في رشق القطارات بالحجارة، في محاولة يبدو أن هدفها هو صرف الأنظار عن المسؤولية الكبرى الملقاة على عاتق الحكومة.
ورغم إعلان هذه الخطوة، فإن الوضع على الأرض يشير إلى فشل ذريع في معالجة الظاهرة التي تزداد تعقيدًا يومًا بعد يوم. كيف لهيئة تابعة للدولة أن تواجه هذه الجريمة المتكررة دون أن تتطرق إلى جذور المشكلة: الفساد المستشري داخل أروقة الحكومة؟ أين هي الخطط الاستراتيجية لحماية حياة المواطنين من هذا التهديد المستمر؟
محاكمة وعقوبات.. كلام بلا تنفيذ
في ندوة توعوية نظمتها الهيئة حول خطر رشق القطارات بالحجارة في محافظة الشرقية، تم التأكيد على أنه سيتم إحالة المتسببين إلى المحاكمة وتوقيع أقصى العقوبات عليهم.
لكن ما أن نلقي نظرة على سجلات المحاكمات السابقة، نكتشف أنه لا يوجد أي تنفيذ حقيقي لهذه الوعود، حيث يظل الفاعلون في أغلب الأحيان مجهولين أو ينجون من العقاب بفضل الفساد المستشري في مختلف أجهزة الدولة. هذا الكلام ليس سوى تصريحات إعلامية لا تتجاوز حدود الدعاية الحكومية التي لا تفيد في الواقع، بل تزيد من اليأس والانتقادات الشعبية.
الوزارة والتربية والتعليم: مسؤولية مغيبة
وفي بيان الهيئة، تم الإشارة إلى أن وزارة التربية والتعليم لها دور فعال في ترسيخ القيم والأخلاق، وهو ما يعكس غياب الرؤية الواضحة في معالجة الظاهرة.
تم عقد الندوة بالتنسيق مع إدارة غرب الزقازيق التعليمية، بحضور وكيل أول وزارة التربية والتعليم للإدارة. لكن من المؤسف أن تسعى الهيئة لتحميل وزارة التربية والتعليم مسؤولية هذه الظاهرة، في وقتٍ تتجاهل فيه الحكومة دورها في توفير بيئة آمنة ومستدامة للمواطنين.
ألم يكن من الأجدر بالحكومة أن تتحرك بشكل جاد وفعلي لحل المشكلة من جذورها بدلاً من رمي المسؤولية على أطراف أخرى؟ إن التركيز على “الترسيخ التربوي” والتوعية في المدارس يبدو أكثر كذريعة للهروب من المسؤولية الحقيقية بدلاً من محاسبة الجهات المتورطة.
دور الحكومة: تغييب المراقبة وغياب المساءلة
لكن الحكومة لا تكترث بما يحدث. ففي الوقت الذي تروج فيه لخطط تطوير وتحديث السكك الحديدية، تتكشف الفجوات الكبيرة في تنفيذ هذه المشاريع بسبب تقاعس الحكومة وغياب الرقابة على تنفيذ المشروعات.
الأموال التي يتم تخصيصها لتطوير قطاعات السكك الحديدية تذهب بلا شك إلى جيوب الفاسدين الذين يعبثون بمقدرات الدولة دون رادع. إذا كانت الحكومة جادة في محاربة هذه الظاهرة، لما اكتفت بالندوات والتصريحات الإعلامية، بل كان عليها أن تطبق قوانين صارمة، وأن تتحرك بسرعة لمحاكمة الفاسدين والمتورطين في إهدار الأموال العامة.
القطاع ينهار والحكومة تُجدد الأزمات
الهيئة القومية لسكك حديد مصر قد تكون الوحيدة التي تحاول تحريك المياه الراكدة، لكن جهودها لا تعدو كونها عبارة عن حلول سطحية في مواجهة أزمة متشعبة ومعقدة.
فبدلاً من التركيز على الإجراءات الوقائية الفعالة مثل تحسين البنية التحتية وتطوير القطارات وتأهيل العاملين، تكتفي الهيئة بتوجيه أصابع الاتهام إلى “المواطنين” وإقحام وزارة التربية والتعليم في لعبة التفتيش عن شماعة تعلق عليها فشل الحكومة.
الندوات التي يتم عقدها في محاولة لتوعية المواطنين حول خطورة رشق القطارات بالحجارة ليست أكثر من دعاية حكومية تروج لسياسات متعثرة ومشروعات فاشلة.
هذه الجهود لا تساهم إلا في تزييف الواقع وتغليفه بالوعود الزائفة التي لا تتجاوز حدود الوعود الإعلامية، في وقتٍ يحتاج فيه المواطن المصري إلى حلول عملية وفعالة تحميه وتكفل له حياة آمنة.
المواطنون يدفعون الثمن: حياتهم في خطر
بينما تستمر الدولة في إصدار بيانات وتصريحات حول خطورة ظاهرة رشق القطارات بالحجارة، يبقى المواطن المصري في دائرة الخطر الدائم.
فما هي قيمة الكاميرات التي تم تركيبها في الجرارات إذا كانت الحكومة لا تكترث بتوفير بيئة آمنة للمواطنين؟ وما هي الفائدة من محاكمة المتورطين إذا كانت المحاكمات لا تؤدي إلى عقوبات رادعة؟ والأسوأ من ذلك، كيف يمكن تصديق الحكومة التي تتفاخر بتطوير قطاع السكك الحديدية بينما هي في الواقع تغرق في مستنقع الفساد والإهمال؟
الحكومة تكتفي بالكلام والتجاهل
المشكلة ليست في رشق القطارات بالحجارة فحسب، بل في غياب المحاسبة الفعلية والشفافية. الحكومة المصرية تغض الطرف عن الفساد، وتكتفي بإصدار تصريحات غير جادة، بينما المواطن يواجه تهديدًا مستمرًا على حياته.
وبغياب الجهود الجادة لمعالجة جذور المشكلة، تبقى ظاهرة رشق القطارات بالحجارة مجرد جزء من أزمة أوسع وأعمق تعيشها مصر تحت وطأة فساد الحكومة وتقصيرها في واجباتها.