في خطوة غير مفهومة وغير مبررة، تتواصل الحكومة المصرية في تنفيذ سياسات خصخصة الأصول الحكومية، والتي تستهدف فيها بيع مؤسسات الدولة ومرافقها الحيوية، في وقت يزداد فيه العجز المالي وتزداد الضغوط الاقتصادية على المواطنين.
آخر هذه الخطوات الجريئة هو إعلان الحكومة عن طرح عدد من مطارات مصرية على القطاع الخاص تحت مسمى “برنامج الطروحات الحكومية”، وهو برنامج يعكس الفشل التام في إدارة الموارد المصرية، ويكشف عن طموح الحكومة في بيع كل ما هو حيوي للمواطن المصري من أجل سد العجز المالي الذي تعاني منه البلاد.
برنامج طروحات يبيع السماء المصرية
طبقًا لمصادر حكومية مطلعة، أعلن عدد من التحالفات الدولية رغبتها في شراء حصص في برنامج طروحات المطارات المصرية، حيث أبدت نحو 10 تحالفات دولية استعدادها للانضمام لهذا المشروع الذي يهدف إلى منح القطاع الخاص حق تشغيل وإدارة المطارات بدلاً من الدولة.
هذه الخطوة تثير العديد من التساؤلات حول مصير هذا القطاع الحيوي الذي يقع تحت سيطرة الحكومة منذ عقود، حيث من المقرر أن يتم طرح أكثر من 15 مطارًا على القطاع الخاص، تشمل مطارات مثل القاهرة، الغردقة، شرم الشيخ، برج العرب، سفنكس والعلمين الجديدة.
الحكومة المصرية تحت قيادة رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، أعلنت في وقت سابق عن رغبتها في إتمام خطة خصخصة الأصول العامة، ضمن استراتيجية تهدف لجذب الاستثمار الخارجي وزيادة الموارد المالية.
هذه الخطوة تأتي في وقت صعب للغاية، حيث تسعى الحكومة إلى إتمام المراجعة الرابعة لاتفاقها مع صندوق النقد الدولي الذي أُبرم في عام 2022، ما يوضح أن الحكومة تعمل تحت ضغط شديد لزيادة إيراداتها من خلال بيع الأصول الحيوية بدلًا من تطويرها أو إدارتها بكفاءة.
هل تُباع مرافق الدولة لصالح جيوب المستثمرين؟
في تصريح غير مبرر، أكد المصدر الحكومي أن هذه الطروحات لن تتضمن بيع المطارات، بل مجرد منح القطاع الخاص حق إدارة وتشغيل هذه المطارات.
وهو تصريح يثير علامات استفهام خطيرة، فبموجب هذا التصريح، تعني الحكومة أن بيع حق التشغيل والإدارة لفترات طويلة قد تصل إلى 10 سنوات أو أكثر سيمنح المستثمرين سيطرة كاملة على هذه المنشآت الحيوية، بما يجعلهم قادرين على اتخاذ قرارات اقتصادية تؤثر على الاقتصاد المصري بشكل كبير.
في الوقت نفسه، يغفل هذا التصريح أن المستثمرين، بغض النظر عن جنسياتهم، سيروّجون لمصالحهم الخاصة على حساب المواطنين المصريين.
إيرادات مشبوهة تُضاف إلى الدين العام
وكأن هذا لا يكفي، أعلنت الحكومة أنها تخطط لجني نحو 3.6 مليار دولار من إيرادات هذه الطروحات خلال العام المالي الحالي، وهو مبلغ سيتم توجيه جزء كبير منه لسد الفجوة التمويلية التي تعاني منها البلاد، والتي تقدر بحوالي 10 مليارات دولار.
هذه الأرقام تكشف مدى الإرباك الذي يعيشه الاقتصاد المصري، حيث أصبح “بيع الأصول” هو الحل الوحيد الذي يبدو أن الحكومة تراه سبيلاً لتلبية احتياجاتها المالية المتزايدة.
إن النظر إلى هذا الرقم من زاوية أوسع يكشف عن كارثة حقيقية، فببيع هذه الأصول الاستراتيجية، تكون الحكومة قد ضحت بمستقبل الأجيال القادمة وأعطت الضوء الأخضر للمستثمرين الأجانب للاستفادة من موارد الدولة المصرية بكل سهولة، بينما يزداد المواطن المصري تهميشًا وفقراً.
هذه الأموال التي تدعي الحكومة أنها ستحصل عليها، لن تكون كافية لحل الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد، بل إن مديونية مصر ستظل في ازدياد، مما يزيد الأعباء على المواطن العادي.
الحكومة تبيع الشركات وتُفلس القطاع العام
وإذا كانت الحكومة قد تذرعت بمصطلح “الإصلاح الاقتصادي” في العديد من قراراتها السابقة، فإن الواقع يثبت عكس ذلك.
ففي ديسمبر من العام الماضي، أعلن مصطفى مدبولي عن حصيلة بيع 14 شركة حكومية بقيمة 5.6 مليار دولار، وهذه الأموال التي جمعتها الحكومة كانت مجرد مسكنات مؤقتة لأزمة أكبر بكثير من هذه الأرقام.
لا يمكن أن يكون بيع الشركات الحكومية والمرافق الحيوية حلاً طويل الأمد لأزمة مالية بنيوية تعاني منها الدولة. هذا التوجه يعكس تراجع الحكومة عن التزاماتها في تطوير القطاع العام، وبدلاً من ذلك تواصل سياسة تصفية ممتلكات الدولة في ظل تزايد ديونها.
الآثار السلبية على المواطن المصري
عند النظر إلى هذه السياسات، يصبح من الواضح أن المواطن المصري هو الخاسر الأكبر في هذه الصفقة المشبوهة. مع بيع أصول الدولة، مثل المطارات والشركات العامة، ستزداد الأعباء على المواطنين، حيث سيرتفع مستوى الاستغلال من قبل المستثمرين الذين سيحصلون على عقود طويلة الأمد مع الحكومة.
ستزداد أسعار التذاكر والخدمات المرتبطة بهذه المطارات، بينما لن يلمس المواطن المصري أي تحسن حقيقي في مستوى الخدمات.
إن مناقشة مثل هذه القضايا تتطلب من الجميع التحلي بالوعي السياسي والاجتماعي، والبحث في الآثار المستقبلية لهذه السياسات التي تضع الثروات المصرية تحت تصرف شركات خاصة قد تكون أولوياتها غير متوافقة مع مصالح الشعب المصري.