فاجعة بورسعيد: الطبيب الذي أحب الفقراء يلقى حتفه في حادث مأساوي
بورسعيد، المدينة التي طالما عُرفت بجوها الهادئ وسكانها البسطاء، شهدت اليوم صدمة مدوية ألقت بظلالها على الجميع بعد وفاة الطبيب الشهير زكي صالح، الذي توفي نتيجة حادث أليم أثناء ذهابه لصلاة الفجر.
في حادث لم يكن في الحسبان، سقط الطبيب في بئر المصعد بأحد الأبراج السكنية التي كان يقطن بها، ليترك وراءه مشهداً صادماً يحبس الأنفاس. ليس حادثًا عاديًا، بل كارثة توضح مدى التحديات التي يواجهها المواطن المصري البسيط في أبسط تفاصيل حياته.
مأساة غير متوقعة في ساعات الفجر
كانت الساعة تشير إلى الساعات الأولى من صباح اليوم، بينما كان الدكتور زكي صالح في طريقه إلى أداء صلاة الفجر. ولكن القدر كان له رأي آخر، حيث لم يكن يعلم أن خطوته هذه ستكون الأخيرة. فقد سقط الطبيب من المصعد الذي كان يحاول أن يدخل فيه. كان الباب قد فتح، لكنه لم يجد المصعد في مكانه. وللحظة من الوقت، وجد نفسه ساقطًا في بئر الأسانسير، سقط مباشرة من الطابق الخامس في حادث يثير تساؤلات عديدة حول أمن وسلامة المنشآت السكنية في المدينة.
طبيب “الغلابه” الذي ترك بصمة لا تُنسى
زكي صالح، الذي عرفه أهل بورسعيد بلقب “طبيب الغلابة”، لم يكن مجرد طبيب عظام عادي. كان مثالًا حقيقيًا للعطاء والإنسانية، لا يتوانى عن تقديم المساعدة لمن لا يملكون قوت يومهم. كان يفتح عيادته كل يوم ثلاثاء للكشف على المرضى بالمجان، وخصوصًا من لا يستطيعون دفع تكلفة العلاج. طوال أيام الأسبوع كان يتعامل مع الحالات التي لا تستطيع دفع أي مقابل مادي، ويقدم لهم رعاية طبية ذات مستوى عالٍ.
ما يجعل مصابه أكثر مرارة هو أنه كان يحمل رسالة إنسانية عظيمة لم تتوقف حتى في آخر لحظاته. كان يستقبل المرضى بكل حب ويعمل جاهداً على تقديم أفضل الرعاية للطبقات الفقيرة والمهمشة. هذه الإنسانية تجسدت في مسيرته الطبية التي امتدت لسنوات، حيث كانت أفعال الخير تسبق أقواله، وقد استطاع أن يخلق رابطًا قويًا مع الجميع، سواء في محيط عمله أو في المجتمع ككل.
الألم والحزن يعم المدينة
المدينة التي شهدت الحادث، والتي كان لها نصيب كبير من أعماله الإنسانية، غمرها الحزن بعد سماع الخبر المفجع. أهل بورسعيد لم يصدقوا أن الطبيب الذي طالما شاركهم في معاناتهم وآلامهم قد رحل بهذه الطريقة المأساوية. ليس فقط أصدقاءه وزملاؤه في العمل من شعروا بالفقد، بل جميع من عمل معهم وعايش معهم سنوات من العطاء.
تصاعدت علامات الاستفهام حول ما إذا كان هناك إهمال في صيانة المصاعد داخل المباني السكنية. هذا الحادث المروع يطرح سؤالًا محوريًا: هل نحن أمام حادث فردي أم أن هناك أزمة حقيقية في تأمين المنشآت السكنية؟ وفي الوقت ذاته، يتساءل الجميع: لماذا يظل هذا الإهمال مستمرًا رغم تكرار الحوادث المماثلة في مدن مختلفة؟ أليس من الضروري أن تُشدد إجراءات السلامة؟
صوت خافت في زمن الانشغال
كان الدكتور زكي صالح أحد الأصوات التي بقيت خافتة في زمن يسيطر عليه الانشغال بالمصالح الخاصة والتجاهل لمعاناة الآخرين. لم يكن يهمه أن يكون بطلًا في الإعلام أو أن تُذكر قصته على صفحات الصحف، فقد كان يعتبر عمله الإنساني واجبًا لا خيارًا. لكنه اليوم، بعد رحيله، أصبح نموذجًا نادرًا يجب أن يُحتذى به في مجتمع غالبًا ما يغيب فيه صوت الإنسانية لصالح المصالح الخاصة.
دروس من الحادث
إن وفاة الدكتور زكي صالح تفتح أمامنا العديد من الأسئلة التي لا يمكن تجاهلها بعد اليوم. أولًا: كيف يمكن تأمين المباني السكنية بشكل يضمن سلامة السكان؟ ثانيًا: ماذا عن مهن أخرى قد يكون أصحابها عرضة للمخاطر نفسها؟ إن كانت المصاعد التي نستخدمها يوميًا تمثل خطرًا، فكيف يمكن ضمان سلامتنا في هذا العالم المزدحم بالتحديات؟
إن الحادث ليس مجرد سقوط جسدي، بل هو سقوط أخلاقي واجتماعي في مجتمع يفترض أن تكون فيه المسائل الإنسانية أولى أولوياته. الرحيل المفاجئ لهذا الطبيب المخلص يعكس حجم الغياب المأساوي للقيم الإنسانية في الكثير من المجالات الحياتية. فقدنا طبيبًا كان يمثل العطاء والتضحية، وفقدنا درسًا كان يجب أن نتعلمه منذ زمن طويل.
الرحيل المرير
الرحيل المفاجئ للطبيب زكي صالح لم يكن مجرد فقد شخص عزيز فحسب، بل كان فاجعة تلقي بظلالها على قيم المجتمع وتعكس فجوة عميقة في فهمنا للإنسانية. ولكن، مع ذلك، يظل أملنا أن تظل روحه الطيبة مصدر إلهام لكل من يسير على نفس الطريق في عالم يعاني من قلة الرحمة والتفاهم. يظل “طبيب الغلابة” في الذاكرة وتظل سيرته العطرة تنبض بالحياة رغم رحيله المبكر.