في خطوة جديدة نحو بيع أصول الدولة بشكل مستمر تحت غطاء ما يعرف بـ “برنامج الطروحات الحكومية”، يقوم البنك المركزي المصري بخطوات غير شفافة وملتبسة لطرح 30% من أسهم “المصرف المتحد” في البورصة قبل نهاية العام الحالي، ليواصل بذلك سياساته المشبوهة التي لا تصب إلا في صالح حفنة من المستثمرين على حساب الشعب المصري.
هذه الصفقة تندرج في إطار تدمير ما تبقى من الاقتصاد المصري من خلال التخلي عن مؤسسات الدولة الاقتصادية الكبرى، وتحديدًا قطاع البنوك، في صفقات مليئة بالضبابية والفساد. فبينما يواصل البنك المركزي عملية الطرح، لا يزال القطاع العام في مصر يعاني من التدهور الحاد في مستوى الخدمات ومن الأزمات المالية الطاحنة التي تعصف بمقدرات الشعب المصري.
بيع 330 مليون سهم بأقل من قيمتها الحقيقية
الصفقة المرتقبة تتضمن بيع 330 مليون سهم من أسهم “المصرف المتحد” في النطاق السعري الذي يتراوح بين 12.7 و15.6 جنيه للسهم، وهو سعر متدنٍ مقارنة بالقيمة الفعلية للأسهم. هذا الطرح يأتي بعد عدة محاولات فاشلة على مدى السنوات الماضية، حيث حاول البنك المركزي بيع المصرف في أكثر من مناسبة دون التوصل إلى اتفاق مع أي من المستثمرين الذين فحصوا المصرف.
يتم تخصيص نحو 313.5 مليون سهم للطرح الخاص، في حين سيتم تخصيص 16.5 مليون سهم فقط للطرح العام لصغار المستثمرين. وهنا يظهر التلاعب في الأولويات، حيث يتم إغراق السوق بالأسهم المخصصة للمستثمرين الكبار، بينما يتم تجاهل حقوق المواطنين العاديين الذين سيكونون أقل حظًا في هذه الصفقة المشبوهة.
دور الشركات المملوكة للأوليغارشية
إدارة هذا الطرح تتم بواسطة شركة “سي آي كابيتال”، التي تواصل تعاونها مع الحكومة في ترويج هذه الصفقات المشبوهة، بينما يقوم كل من مكتب “حلمي خزام وشركاه” و”بيكر آند ماكنزي” بتقديم الاستشارات القانونية للطرح. كل هذه الشركات تشكل حلقة متكاملة من الفساد حيث يتم الاستفادة من الصفقات على حساب الشعب المصري الذي يدفع ثمن هذه السياسات القمعية.
الترويج لبيع البنك في الخارج
وفقًا لمصادر مطلعة على عملية الطرح، ستبدأ شركة “سي آي كابيتال” الترويج لطرح أسهم “المصرف المتحد” في أسواق السعودية ودبي ولندن وجنوب أفريقيا هذا الأسبوع. في خطوة مثيرة للجدل، حيث تستهدف الحكومة بيع الأصول الوطنية إلى أطراف خارجية في ظل أزمة اقتصادية خانقة داخل البلاد.
من يضمن أن هذه الأموال ستعود بالفائدة على الشعب المصري؟ هل تستمر الحكومة في تسويق بيع مؤسسات الدولة في الخارج تحت شعار “الطروحات الحكومية” دون أن تكون هناك مساءلة حقيقية أو شفافية؟!
ما هو المصرف المتحد؟
يعد “المصرف المتحد” أحد البنوك الرائدة في مصر، تم تأسيسه في عام 2006 من خلال دمج ثلاثة بنوك هي بنك النيل والبنك المصري المتحد والمصرف الإسلامي الدولي للاستثمار والتنمية. البنك الذي يتولى البنك المركزي المصري اليوم امتلاكه بنسبة تقترب من 99.9%، يعد أحد الأصول الحيوية في الاقتصاد المصري.
يمتلك البنك نحو 54 فرعًا منتشرة في 18 محافظة من محافظات مصر، مما يعني أنه يشكل جزءًا كبيرًا من الشبكة المصرفية في البلاد. ورغم ذلك، يبدو أن الحكومة المصرية لا تكترث لقيمة هذا البنك أو لمكانته الاستراتيجية في النظام المالي المصري. فمن غير المقبول أن يتم بيع جزء كبير من أسهمه بهذا الشكل المريب وسط هذه الظروف الاقتصادية الصعبة.
نتائج كارثية لسياسات الحكومة الفاشلة
النتائج المالية للمصرف المتحد في النصف الأول من العام الحالي تظهر أرقامًا مثيرة للقلق، حيث بلغ صافي دخل البنك نحو 1.7 مليار جنيه، بينما وصلت القروض الرديئة إلى 600 مليون جنيه.
هذه الأرقام، رغم أنها قد تبدو إيجابية على سطحها، إلا أنها تظهر واقعًا كارثيًا عن ضعف الأداء ووجود خلل في إدارة الأصول. وفي حين يصل إجمالي أصول المصرف المتحد إلى 107 مليارات جنيه، يتم بيع هذا الأصل الكبير بأقل من قيمته الحقيقية، مما يثير تساؤلات جدية حول دوافع هذه الصفقة.
وفي الوقت الذي تعاني فيه البلاد من أزمة مالية طاحنة وارتفاع معدلات التضخم، تأتي هذه الخطوة لتؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أن الحكومة المصرية لا تهتم بمستقبل الاقتصاد الوطني أو بمصالح الشعب المصري. فبينما تعلن الحكومة عن إجراءات تقشفية تؤثر على حياة المصريين اليومية، نجدها تستمر في بيع أصول الدولة ومؤسساتها الكبرى للقطاع الخاص في صفقات يصعب على المواطن العادي فهم مغزاها أو جدواها.
فساد الحكومة المصرية واستغلالها للأزمات
من المثير للدهشة أن الحكومة تستغل الأزمات الاقتصادية لتمرير هذه الصفقات المشبوهة دون محاسبة أو رقابة حقيقية. فما يحدث الآن هو استمرار لنهج الحكومات السابقة في بيع أصول الدولة بمبالغ زهيدة، بينما تستفيد من ذلك طبقات محدودة من المستثمرين الذين يتعاونون مع الحكومة في الظلام. هذه السياسات تؤدي إلى المزيد من التفريط في مقدرات الدولة، ومن ثم زيادة الهوة بين الطبقات الاجتماعية في مصر.
إن ما يحدث اليوم هو جريمة اقتصادية مكتملة الأركان، حيث يتم بيع ما تبقى من الأصول الوطنية في صفقات فساد مروعة، في وقت يعاني فيه الشعب المصري من تدهور مستمر في مستوى المعيشة، وارتفاع في الأسعار، وشح في الموارد. يجب أن يتوقف هذا النهج الفاسد الذي يستهدف بيع أصول البلاد في وقت لا يزال فيه الشعب يتوقع الكثير من الدولة.