في خطوة غريبة أثارت الجدل وأدت إلى موجة من الانتقادات، أعلنت وزارة التربية والتعليم المصرية عن قرارها المشؤوم القاضي بإلزام طلاب الثانوية العامة بإرجاع أجهزة التابلت التي تم توزيعها عليهم بعد انتهاء المرحلة الثانوية.
القرار الذي أصدره شادي زلطة المتحدث الرسمي باسم الوزارة، يأتي ليكشف عن حقيقة جديدة مفادها أن الدولة لم تكن تهدف من البداية لتوفير هذه الأجهزة لطلاب الثانوية إلا كوسيلة لزيادة معاناتهم وتجاهل مستقبلهم التعليمي.
لم يعد الهدف من توزيع هذه الأجهزة هو مساعدة الطلاب على التعلم، بل أصبح سعي الحكومة لتقليص تكاليفها على حساب الطلاب والمستقبل الأكاديمي.
تلاعب الحكومة بمستقبل الطلاب وغياب المصلحة الحقيقية
في تصريحات تليفزيونية، أكد شادي زلطة أن الطلاب لن يتمكنوا من الاستفادة من الأجهزة بعد التخرج، بل سيتخلصون منها إما ببيعها أو تسليمها لأشخاص آخرين.
وعلاوة على ذلك، فرض القرار إجراءات بيروقراطية معقدة في حال أراد الطالب إعادة التابلت، حيث يلزم الطالب بإرفاق شهادة من الوكيل المعتمد تفيد بصلاحية الجهاز للعمل، وإلا لن تقبل الإدارة التعليمية استلام الجهاز.
الأمر الذي يثير علامات استفهام حول كيفية هدر أموال الدولة على أجهزة لم تُستغل كما كان ينبغي لها، وفي وقت مفصلي كان من المفترض أن تساهم هذه الأجهزة في تطوير التعليم الإلكتروني وتحقيق نقلة نوعية في تعليم الطلاب المصريين.
التضحية بأموال الشعب
التعليم كان من المفترض أن يكون أولوية الحكومة المصرية، ولكن القرارات المتتالية التي اتخذتها وزارة التربية والتعليم، بما في ذلك هذا القرار المثير للجدل، تؤكد أن المسؤولين في الحكومة لا يكترثون لمصلحة الطلاب ولا يضعون نصب أعينهم التحديات التي يواجهها الطلاب في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد.
إن إنفاق الملايين من الجنيهات على هذه الأجهزة فقط ليتم التخلي عنها بهذه الطريقة غير المسؤولة هو بمثابة إهدار فاضح للموارد العامة التي يمكن استغلالها في مشاريع أخرى قد تكون أكثر فائدة للطلاب.
قرار متناقض مع وعود سابقة
لكن المفاجأة الكبرى تكمن في أن هذا القرار يتناقض بشكل صارخ مع تصريحات وزير التربية والتعليم الأسبق، طارق شوقي، في عام 2021، عندما أكد بكل حسم أن طلاب الثانوية العامة سيحتفظون بأجهزة التابلت كهدية من الدولة للاستفادة منها في المرحلة الجامعية.
وقال شوقي في تصريحات رسمية وقتها، أن الأجهزة ستكون أداة تعليمية حيوية تساعد الطلاب على مواصلة تعلمهم في الجامعات بعد تخرجهم. لكن من الواضح الآن أن هذه الوعود كانت مجرد وعود فارغة لتجميل الصورة الإعلامية للحكومة، حيث تم إلغاء هذه الوعود وتحويل هذه الأجهزة إلى عبء إضافي على الطلاب وأسرهم.
سياسة تهميش التعليم وغياب الشفافية
من غير المقبول أن تكون هذه السياسة جزءاً من استراتيجية الحكومة التعليمية. فكيف يمكن أن تُسلب من الطلاب حق الاستفادة من أداة تعليمية كانت في الأساس مصممة لدعم مسيرتهم الأكاديمية؟ التابلت الذي قيل عنه أنه سيكون جزءًا أساسيًا في التعليم الرقمي وتحسين تجربة الطلاب، أصبح الآن مجرد عبء إداري، ويُجبر الطلاب على العودة إلى نقطة الصفر بعد اجتيازهم سنوات من التعليم الأساسي في ظل ظروف اقتصادية صعبة.
هذا التناقض يظهر بوضوح تام كيف أن الوزارة تتعامل مع قضايا التعليم دون أدنى اهتمام بمصلحة الطلاب. فمن خلال قرارها الأخير، لم تقتصر الحكومة على حرمان الطلاب من هذه الأجهزة، بل أنها فرضت عليهم عبئًا إضافيًا يتعلق بإعادة التابلت في ظروف قد تكون صعبة لبعضهم، حيث قد يضطر بعضهم إلى السفر لمسافات طويلة في سبيل تسليم الجهاز.
الأسئلة التي يجب أن تطرح
من حق كل مواطن مصري أن يسأل: أين ذهبت تلك الأموال التي تم تخصيصها لشراء هذه الأجهزة؟ لماذا لم تُستثمر هذه الأجهزة بشكل حقيقي في تحسين مستوى التعليم؟ وهل يعقل أن يتم إهدار هذه الموارد على أجهزة غير مستفاد منها؟ الأسئلة تتوالى ولا إجابة شافية من الحكومة، التي يبدو أنها تفتقر إلى الشفافية والمحاسبة في إدارة الأموال العامة.
معاناة الطلاب تحت نير الفشل الحكومي
الطلاب المصريون هم من يدفعون ثمن هذه السياسات الفاشلة. فبدلاً من أن يحصلوا على الدعم اللازم في مسيرتهم التعليمية، يجدون أنفسهم مجبرين على العودة إلى الوراء بسبب قرارات غير مدروسة من قبل الحكومة.
هؤلاء الطلاب الذين كانوا يحلمون بأن يكون لديهم أدوات تساعدهم في التعلم، يتفاجأون بأنهم سيضطرون إلى إعادة الأجهزة التي تم توزيعها عليهم، في وقت كانوا يأملون فيه أن تكون هذه الأجهزة جزءاً من مستقبلهم الأكاديمي.
لقد بات من الواضح أن الوزارة والحكومة المصرية لا تولي التعليم الاهتمام الكافي. من خلال هذه القرارات المتناقضة والمتخبطة، أثبتت الحكومة أن أولوياتها ليست في مصلحة الطلاب ولا في خدمة التعليم.
بل إن القرارات الأخيرة تشير إلى أن الحكومة لا تفكر إلا في كيفية التخلص من الأعباء المالية بأي شكل من الأشكال، حتى وإن كان ذلك على حساب مستقبل الطلاب الذين هم أمل هذا البلد.