تقاريرصحافة عبرية

الاحتلال يخطط لإعادة تقسيم غزة وتثبيت وجود عسكري دائم

كشف تقرير خطير نشرته صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية عن مخططات خطيرة لقوات الاحتلال الإسرائيلي تهدف إلى تقسيم قطاع غزة وإبقاء وجود عسكري دائم في المنطقة، وهو ما يشير إلى خطط مقلقة لتغيير خارطة غزة بشكل غير مسبوق وتثبيت الاحتلال في القطاع بشكل أوسع مما كان عليه في السابق إذ تعمل إسرائيل على تنفيذ هذه المخططات من خلال إقامة ثلاثة محاور جديدة تقسم القطاع جغرافيا وتخلق واقعا مغايرا قد يفتح الباب أمام عودة الاستيطان اليهودي في بعض المناطق الحساسة من القطاع

وأشار المراسل العسكري للصحيفة يؤاف زيتون إلى أن جيش الاحتلال الإسرائيلي قام بتوسيع محور نتساريم بشكل كبير، والذي كان في الماضي مجرد شريط ضيق يفصل شمال غزة عن جنوبها وتحول هذا المحور اليوم إلى بؤرة عسكرية متكاملة تحتوي على منشآت عسكرية ثابتة ومراكز قيادة ومعتقلات، وذلك بهدف الإبقاء على وجود دائم للجيش في هذه المنطقة، مما يعزز قدرة الاحتلال على مراقبة القطاع وتقسيمه إلى أجزاء منفصلة واستكمالا لخطته الاستراتيجية ذكر زيتون أن الجيش الإسرائيلي يعمل حاليا على إنشاء محاور جديدة تهدف إلى تعزيز الفصل بين شمال القطاع وجنوبه وأكد أنه انتهى بالفعل من إنشاء محور آخر يفصل شمال غزة عن بقية القطاع

خطط استيطان جديدة في غزة

ما يثير القلق بشكل أكبر هو أن هذه الخطط العسكرية لا تقتصر على تعزيز الوجود العسكري فحسب بل تحمل في طياتها مؤشرات على نية الاحتلال إعادة إحياء الاستيطان اليهودي في غزة وهو ما يشير إلى احتمالية عودة المستوطنات الإسرائيلية التي أزيلت بعد انسحاب إسرائيل من القطاع عام 2005 إذ يرى المحللون العسكريون أن هذه التحركات تمهد الطريق أمام استيطان جديد في غزة تحت غطاء الأوضاع الأمنية وحاجة الجيش إلى تأمين مواقعه في هذه المناطق الحساسة

وأشار التقرير إلى أن محور نتساريم لم يعد مجرد شريط ضيق بل توسع إلى مساحة كبيرة من الأراضي تصل إلى ما يقرب من سبعة كيلومترات من الشمال إلى الجنوب مما يعزز فكرة تقسيم غزة إلى ثلاث مناطق منفصلة عمليًا شمال القطاع وجنوبه بالإضافة إلى المنطقة الوسطى التي تقع ضمن نطاق محور نتساريم وهذا يعني أن غزة قد تتحول فعليا إلى أجزاء منفصلة جغرافيا، ما يحد من حرية الحركة بين المناطق المختلفة ويزيد من تعقيد الأوضاع الإنسانية والاقتصادية في القطاع

تأثير التقسيم على المحادثات السياسية

يتزامن هذا التحرك الإسرائيلي الخطير مع تعثر المفاوضات الرامية إلى وقف إطلاق النار في غزة إذ تشكل هذه المخططات العسكرية نقطة خلاف جوهرية بين الفصائل الفلسطينية وحكومة الاحتلال ففي الوقت الذي تصر فيه حركة حماس على انسحاب إسرائيلي كامل من القطاع دون شروط، يتمسك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بآلية تمنع نقل المقاتلين والمسلحين بين شمال القطاع وجنوبه وهو ما يعكس تباينا كبيرا في المواقف ويزيد من تعقيد مساعي التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار

وتحول محور نتساريم من كونه مجرد وسيلة للفصل بين شمال غزة وجنوبها إلى ورقة ضغط أساسية تستخدمها إسرائيل لتحقيق أهداف سياسية وعسكرية على الأرض إذ يشكل هذا المحور اليوم جزءا من استراتيجية شاملة تستهدف إضعاف قدرة المقاومة الفلسطينية على الحركة والتواصل بين مناطق القطاع المختلفة من جهة، ومن جهة أخرى يعزز من قدرة الاحتلال على فرض شروطه في أي مفاوضات مقبلة

مشروع ضخم لتثبيت الاحتلال في غزة

ليس من المستغرب أن تحركات جيش الاحتلال الإسرائيلي في محور نتساريم ليست جزءا من خطة عسكرية قصيرة المدى، بل تأتي ضمن مشروع ضخم لإعادة تشكيل قطاع غزة بما يخدم أهداف الاحتلال العسكرية والسياسية إذ أظهرت صور الأقمار الصناعية التي نشرتها صحيفة “واشنطن بوست” أن العمليات التي تجري في محور نتساريم هي جزء من مخطط أكبر يهدف إلى إعادة رسم خارطة القطاع بشكل يعزز من قدرة الجيش الإسرائيلي على فرض سيطرته ويثبّت وجوده هناك بشكل دائم

ويعتبر هذا المشروع الضخم جزءا من سياسة أوسع تتبناها إسرائيل منذ فترة طويلة تهدف إلى تقسيم المناطق الفلسطينية وعزلها عن بعضها البعض سواء في الضفة الغربية أو في غزة وهذا يعكس رؤية استراتيجية شاملة لدى الاحتلال تقوم على تعزيز السيطرة على المناطق الفلسطينية وتقليص فرص قيام دولة فلسطينية ذات سيادة متصلة جغرافيا

انعكاسات إنسانية كارثية

لا يقتصر تأثير هذه المخططات على الجانب السياسي أو العسكري فقط بل تمتد آثارها لتشمل الحياة اليومية لملايين الفلسطينيين الذين يعيشون في قطاع غزة إذ سيتسبب تقسيم القطاع في تفاقم الأزمات الإنسانية التي يعاني منها السكان بالفعل من نقص في الخدمات الأساسية كالمياه والكهرباء والصحة إلى جانب القيود المفروضة على حركة الأفراد والبضائع بين المناطق المختلفة في القطاع

ومن المتوقع أن يؤدي هذا التقسيم إلى شلل كامل في القطاع ويزيد من معاناة السكان الذين يعيشون تحت الحصار الإسرائيلي منذ سنوات طويلة وتأتي هذه التحركات في وقت يعاني فيه القطاع من دمار هائل جراء التصعيد العسكري الأخير إذ دُمرت آلاف المنازل والبنية التحتية الأساسية مما يجعل الأوضاع الإنسانية في غزة على حافة الكارثة

خطر التصعيد العسكري

في ظل هذه المخططات الإسرائيلية الخطيرة التي تستهدف تغيير الواقع الجغرافي والسياسي في قطاع غزة يبقى احتمال التصعيد العسكري مفتوحا بقوة إذ أن تقسيم القطاع وتعزيز الوجود العسكري الإسرائيلي فيه قد يؤدي إلى تصاعد التوترات مع الفصائل الفلسطينية المسلحة التي ترى في هذه التحركات تهديدا مباشرا لوجودها ولقدرتها على مقاومة الاحتلال

ويزداد هذا الخطر في ظل إصرار إسرائيل على عدم تقديم أي تنازلات سياسية أو عسكرية في المفاوضات الجارية ورفضها الانسحاب الكامل من القطاع وهو ما يعزز احتمالية تجدد المواجهات المسلحة في المستقبل القريب

بناءً على كل هذه التطورات لا يمكن النظر إلى ما يجري في غزة على أنه مجرد تحركات عسكرية اعتيادية بل هو جزء من مخطط إسرائيلي أكبر يهدف إلى إعادة صياغة الواقع على الأرض بما يخدم مصالح الاحتلال السياسية والعسكرية وفي ظل استمرار هذه التحركات تبقى الأوضاع في القطاع مرشحة لمزيد من التوتر والانفجار

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى