تقاريرمصر

خصخصة المطارات المصرية: فساد الحكومة وتجاهل المصالح الوطنية

في خطوة مثيرة للجدل وصادمة للرأي العام، أعلنت الحكومة المصرية بقيادة رئيس الوزراء مصطفى مدبولي عن إطلاق برنامج لخصخصة المطارات، ضمن خطة أشمل لبيع الأصول الحكومية وإدخال القطاع الخاص في إدارة وتشغيل عدد من المنشآت الحيوية.

وفي إطار هذا البرنامج المشبوه، أعربت حوالي 10 تحالفات دولية عن رغبتها في الانضمام للمخطط الذي يستهدف طرح مطارات مصرية على القطاع الخاص.

هذه التحالفات الدولية، وفقًا لمصدر حكومي مطلع على قطاع الطيران تحدث إلى موقع “المنصة”، تسعى لاستغلال هذا البرنامج لإدارة وتشغيل مطارات كبرى دون التفكير في تداعيات هذا القرار على الأمن القومي والاقتصاد المصري.

ما يجري خلف الكواليس من تقاعس الحكومة المصرية لا يعكس إلا إهمالًا واضحًا لمصالح الشعب المصري، الذي يقف متسائلًا: كيف تتجرأ الحكومة على المضي قدمًا في بيع أصول الدولة رغم ما تحمله هذه الخطوة من مخاطر جسيمة على الاستقلال الاقتصادي والهيمنة الأجنبية على المرافق العامة؟ لقد تحدث رئيس الوزراء الشهر الماضي بثقة مريبة عن استكمال خطط الخصخصة، مُشيرًا إلى أن مصر تسعى لتنفيذ برنامج خصخصة الأصول الحكومية تحت ضغط صندوق النقد الدولي. هذا الصندوق، الذي بات واضحًا أنه يقود الاقتصاد المصري إلى نفق مظلم، يتطلع إلى إتمام المراجعة الرابعة لاتفاقه مع مصر الذي وُقِّع في 2022.

بحسب هذا الاتفاق، والذي يعتبره العديد من الخبراء الاقتصاديين كارثة مُحتمة، تهدف الحكومة لجمع 3.6 مليار دولار خلال العام المالي الحالي من بيع الأصول الحكومية. هذه الأموال، التي تزعم الحكومة أنها ستحل الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد، سيتم توجيهها لسد فجوة تمويل خارجي تقدر بنحو 10 مليارات دولار. ولكن، هل بيع المطارات هو الحل؟ وهل ستُسهم هذه الخطوة فعلًا في إنقاذ الاقتصاد المصري من الانهيار أم أنها ستكون مقدمة لمزيد من الفساد والتلاعب بأموال الشعب؟

وفقًا للمصدر الحكومي، فإن الهدف من طرح المطارات ليس البيع المباشر، بل منح القطاع الخاص حق الإدارة والتشغيل. ومن الواضح أن هذه الصياغة الملتوية تهدف إلى التخفيف من حدة الانتقادات التي قد تواجهها الحكومة. ولكن هل يختلف الأمر حقًا بين البيع المباشر ومنح القطاع الخاص سيطرة على إدارة وتشغيل هذه المرافق الحيوية؟ بالنظر إلى العقود التي قد تصل مددها إلى 10 سنوات وربما أكثر، يبدو أن الحكومة تُسلم هذه الأصول الاستراتيجية لجهات أجنبية تحت ستار “الإدارة والتشغيل”، وهي بذلك تفتح الباب أمام سيطرة القطاع الخاص على مفاصل الدولة.

المثير للدهشة والغضب في آن واحد هو أن المطارات التي سيتم طرحها ليست مطارات ثانوية، بل تشمل مطارات كبرى تشكل شريانًا حيويًا للاقتصاد والسياحة في مصر، مثل مطار القاهرة الدولي، مطار الغردقة، مطار شرم الشيخ، مطار برج العرب بالإسكندرية، مطار سفنكس، ومطار العلمين الجديدة. هذه المطارات التي تخدم ملايين الركاب سنويًا، وتعد مصدر دخل كبير للدولة، كيف يمكن تسليمها لشركات دولية تحت مسمى “إدارة وتشغيل”؟ هل تعتقد الحكومة أن الشعب المصري غافل عن المخاطر التي تترتب على هذا القرار؟

تجدر الإشارة إلى أن مصر تمتلك 23 مطارًا، وفي نهاية العام الماضي، بلغ عدد الركاب في هذه المطارات 66.2 مليون راكب. هذه الأرقام الضخمة توضح أن المطارات تمثل أحد الموارد الأساسية للدولة، وهو ما يجعل قرار خصخصتها مثيرًا للريبة والشكوك حول مدى مصداقية الحكومة في حماية الأصول الوطنية. بل إن الأمر يتجاوز الريبة إلى حد التساؤل عن نوايا الحكومة الحقيقية. هل يتم هذا القرار لصالح الشعب، أم أنه نتيجة لتوجيهات صندوق النقد الدولي الذي يسعى لتكبيل الاقتصاد المصري بقروض وشروط مجحفة؟

ليس هذا فحسب، بل إن الفساد الحكومي يظهر بوضوح عندما نلقي نظرة على برنامج بيع الشركات العامة. ففي ديسمبر الماضي، صرح مدبولي بأن الحكومة جمعت 5.6 مليار دولار من التخارج الكلي أو الجزئي من 14 شركة. هذه الأرقام تُثير العديد من التساؤلات حول كيفية إدارة هذه الأموال، وإلى أي مدى تمت مراعاة مصلحة الشعب في هذه العمليات. كيف تم بيع هذه الشركات؟ وما هي الإجراءات التي اتبعتها الحكومة لضمان الشفافية والنزاهة؟ وهل استفاد المواطن المصري من هذه الصفقات أم أن الفساد والمحسوبية كانا عنوان هذه المرحلة؟

كل هذه الأسئلة تجعلنا نقف أمام حقيقة واحدة، وهي أن الحكومة المصرية تبدو عاجزة عن إدارة أصول الدولة بالشكل الذي يخدم مصلحة الشعب، بل إنها تتصرف بطريقة توحي بالتخلي عن هذه الأصول لصالح جهات دولية تحت غطاء خصخصة الإدارة والتشغيل.

مصر، التي تعاني من أزمة اقتصادية طاحنة، بحاجة إلى حلول حقيقية ومستدامة، لا إلى بيع أصولها الحيوية لصالح قوى خارجية. إن المضي قدمًا في هذه البرامج دون دراسة دقيقة لتداعياتها على المدى الطويل هو بمثابة لعب بالنار، وإذا لم تتوقف الحكومة عن هذه السياسات المشبوهة، فإن المستقبل يبدو مظلمًا للغاية.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى