مقالات ورأى

‏د.أيمن نور يكتب: قراءة في نتائج الانتخابات الأمريكية2024

عاد ‎دونالد ترامب إلى سدة الحكم بعد فوزه في ‎الانتخابات الأمريكية لعام 2024، حاملا شعار“أمريكا أولاً” في مواجهة عالم يشهد تصاعدًا في الصراعات والتحديات .
هذا الفوز جاء في وقت شهدت فيه امريكا مقاطعة انتخابية ضخمة، حيث عبّر أكثر من خمسين مليون أمريكي عن رفضهم للمشاركة، احتجاجًا على السياسات التي اتبعها الحزب الديمقراطي خلال الفترة الأخيرة، خاصةً موقفه من الأزمات في الشرق الأوسط، والتي كان أبرزها دعمه لإسرائيل خلال المجازر التي شهدتها ‎غزة في العام الماضي.

هذه المقاطعة الانتخابية هي رسالة قوية من الشعب الأمريكي، الذي وجد نفسه محاصرًا بين خيارات حزبية محدودة، حيث دفعته مواقف الديمقراطيين المتحيزة لصالح إسرائيل وغض الطرف عن المجازر إلى الامتناع عن التصويت. فالكثير من الناخبين، كانوا يعوّلون على موقف أكثر اتزاناً من الديمقراطيين في التعامل مع القضية الفلسطينية، شعروا بالخذلان بعد أن أصبح الموقف الأمريكي داعماً شبه كامل لإسرائيل، متجاهلاً للقيم الإنسانية .

الآن، وبوجود ترامب في البيت الأبيض، يُطرح السؤال الأكبر حول ما إذا كانت السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط ستشهد تغييراً جذرياً. فـ ‎ترامب، الذي عُرف بمواقفه الحادة وشعاره “أمريكا أولاً”، قد يسعى إلى إعادة هيكلة التحالفات في المنطقة بطرقٍ قد تكون صادمة لحلفائه التقليديين. قبل خصومه فعودة ترامب تأتي في وقتٍ حساس، حيث تتصاعد حدة الصراع في ‎غزة، وتستمر حالة الاحتقان في المنطقة، ما يفتح الباب أمام توقعات متعددة حول طبيعة الخطوات التي سيتخذها إزاء هذه الملفات المعقدة.

السياسة الخارجية لترامب تحمل إشارات على نيته في تقليص التواجد العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط، وهو الأمر الذي يعززه تراجع التأييد الشعبي لأي تدخلات خارجية مكلفة. ويرى العديد من المحللين أن ترامب، الذي تعهد في حملته بإعادة الجنود إلى الوطن، قد يسعى إلى إيجاد بدائل دبلوماسية واقتصادية لتعزيز النفوذ الأمريكي دون اللجوء إلى القوة العسكرية المباشرة. هذا التوجه قد يؤدي إلى فراغ إقليمي، قد تسعى قوى مثل ‎روسيا والصين لملئه، ما يهدد بتغيير توازن القوى في المنطقة.

ويُعد الشرق الأوسط أحد أبرز الميادين التي قد تُختبر فيها وعود ترامب الانتخابية. فعلى الرغم من دعمه الثابت لإسرائيل، فإن الرجل الذي يتمتع بشخصية غير تقليدية قد يفاجئ الجميع بتغيير استراتيجياته، خاصة إذا وجد أن المصلحة الأمريكية تقتضي التقارب مع العالم العربي لتحقيق استقرار يضمن استمرار تدفق النفط، وتوسيع الأسواق الأمريكية في المنطقة. فهل سيكون قادرًا على الموازنة بين التزامه الأيديولوجي تجاه إسرائيل وبين الضرورات الاقتصادية والسياسية التي تمليها عليه مصالح بلاده؟

وعلى الصعيد الاقتصادي، من المتوقع أن يسعى ترامب إلى إعادة توجيه السياسة الاقتصادية الأمريكية نحو تشجيع الاستثمار الداخلي، ما قد يؤثر على علاقات واشنطن مع العديد من الدول التي تعتمد بشكل كبير على المساعدات الأمريكية. فترامب المعروف بميوله القومية، قد لا يتردد في مراجعة اتفاقيات التجارة الحرة، وإعادة التفاوض على شروط المعونات، وهو ما قد يُضعف العلاقات مع بعض حلفائه التقليديين في المنطقة ويجبرهم على التكيف مع واقع جديد يتطلب منهم الاعتماد أكثر على أنفسهم.

عودة ترامب تعيد للواجهة ملفات خلافية مثل العلاقات مع ‎إيران و#سوريا، إذ سبق له أن انسحب من الاتفاق النووي الإيراني، وقد يسعى الآن إلى فرض شروط أشد على ‎طهران، الأمر الذي قد يزيد من التوتر في الخليج العربي. كما أن تخفيض الوجود العسكري الأمريكي في ‎سوريا قد يفسح المجال لقوى أخرى للتدخل، ما يضع مستقبل الاستقرار في الشرق الأوسط على المحك.

في الداخل الأمريكي، يسعى ترامب لإصلاح الاقتصاد من خلال خفض الضرائب على الشركات والأثرياء، وهو ما قد ينشّط الاقتصاد الأمريكي على المدى القصير، لكنه قد يزيد من الفجوة بين الأغنياء والفقراء. وبهذه السياسات، يعتقد العديد من الخبراء أن الشركات الأمريكية قد تتوسع في أسواق جديدة في الشرق الأوسط وأفريقيا، ما يعني توجيه السياسة الأمريكية لخدمة مصالح هذه الشركات على حساب بعض القضايا الإنسانية في المنطقة.

فوز ترامب يمثل انتصاراً ساحقاً للجمهوريين، لكنه يطرح تحديات كبيرة حول مستقبل السياسة الأمريكية، خاصةً في الشرق الأوسط. فهل ستشهد المنطقة تغييرات استراتيجية قد تحقق السلام والاستقرار، أم أن التوترات الحالية ستستمر وربما تتصاعد مع انسحاب الدور الأمريكي التقليدي؟

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى