كارثة نفايات مصر: الحكومة تُفاقم الأزمة وتستغل الأرواح من أجل الربح
في ظل التقاعس الحكومي المستمر، تشهد مصر كارثة صحية وبيئية غير مسبوقة بسبب التعامل الفوضوي مع النفايات الطبية والخطيرة التي تهدد صحة المواطنين.
بينما تتجاهل الحكومة المخاطر الجسيمة التي تترتب على إدارة النفايات، تواصل الجهات الرسمية في وزارة البيئة ووزارة الصحة الإعلان عن مشاريع ضخمة يتم تمويلها بمليارات الجنيهات، لكنها في الواقع مجرد محاولات ترقيعية لا تعالج الأزمة من جذورها.
هذا التقرير يكشف المستور حول ممارسات الحكومة المصرية الفاسدة في التعامل مع النفايات الطبية والصناعية، والفساد المستشري في هذا القطاع.
وزيرة البيئة والحلول الوهمية: 10 مليارات جنيه لصناعة الفساد
وفي خطوة تدل على تجاهل تام للواقع، أعلنت وزيرة البيئة عن تنفيذ مشاريع لتطوير منظومة المخلفات بمصر، حيث أعلنت عن إنشاء 28 مدفناً صحياً، و60 خط إنتاج، و14 مصنعاً لإدارة المخلفات بتكلفة ضخمة بلغت 10 مليارات جنيه.
هذا المشروع الذي يبدو في الظاهر خطوة نحو الحل، ما هو إلا مجرد عملية تحويل أموال ضخمة إلى جيوب المسؤولين الفاسدين، دون مراعاة الجوانب البيئية والصحية.
أين ذهبت هذه المليارات؟ وهل فعلاً تم استخدام هذه الأموال بالشكل الذي يضمن سلامة المواطنين؟ الواقع يؤكد أن معظم هذه المشاريع تفتقر إلى التخطيط السليم، وتفتقر للرقابة الفعالة التي تحول دون تكرار أخطاء الماضي.
انتشار النفايات الطبية الخطرة: أرواح تُزهق سنوياً
يعيش المواطن المصري في تهديد مستمر من النفايات الطبية الخطرة، التي تشكل 15% من إجمالي النفايات الطبية في المستشفيات.
وكشفت التقارير أن النفايات الطبية تُستخدم بشكل غير آمن في صناعات أخرى، منها صناعة أدوات المائدة، لتصنع منها أطباق وشوك وسكاكين تضر بصحة الإنسان.
تجار الموت من الخردة لا يتورعون عن استخدام هذه النفايات في إعادة تصنيعها وبيعها بأسعار منخفضة، مما يعرض المصريين لخطر الإصابة بالأمراض الخطيرة.
فهل هذه النفايات تخضع حقاً لإجراءات آمنة؟ الإجابة هي لا. في الواقع، أظهرت التحقيقات أن نفايات المستشفيات يتم جمعها وبيعها بشكل غير قانوني،
مما يعرض عشرات الآلاف من العاملين في القطاع الطبي ومن يترددون على المستشفيات لخطر الإصابة بفيروسات قاتلة مثل التهاب الكبد الوبائي (HBV) وفيروس نقص المناعة البشرية (HIV)، فضلاً عن خطر الإصابة بسرطان جراء المواد الكيميائية المتبقية في الأدوات التي تم إعادة استخدامها.
النفايات البلاستيكية: تلوث البيئة والتسبب في الأمراض
وفي تطور كارثي آخر، أشار التقرير إلى أن هناك إنتاجًا غير مسبوق من النفايات البلاستيكية، حيث من المتوقع أن يصل إنتاج العالم إلى 220 مليون طن من النفايات البلاستيكية في عام 2024.
هذا الإنتاج المفرط لا يهدد البيئة فقط، بل له تأثيرات صحية قاتلة على الإنسان، حيث يزداد التلوث وتنتشر الأمراض الناتجة عن هذه المخلفات.
لكن الحكومة المصرية لا تولي اهتماماً حقيقياً لهذه الكارثة البيئية، بل تستمر في تطبيق سياسات فاشلة تدير النفايات بطريقة غير فعالة.
وزير الصحة بدوره يعلن عن خطة “مبشرة” لإنشاء 175 محرقة نفايات، تهدف إلى التخلص من 41 ألف طن من النفايات المعالجة سنوياً، وهو رقم يعكس بشكل صارخ أن الحلول التي تقدمها الحكومة لا تتناسب مع حجم المشكلة، ولا توفر طرقاً آمنة أو فعالة لمعالجة النفايات.
الفساد الطبي: التجارة بالنفايات المستشفيات
تمارس شركات خاصة وتجّار النفايات في مصر لعبة القتل البطيء عبر بيع النفايات الطبية التي تُصنف خطرة، حيث تُسحب من المستشفيات و تُعاد تدويرها أو بيعها في السوق السوداء.
التقارير تشير إلى أن هذه النفايات تُستخدم في تصنيع أدوات مائدة رديئة أو حتى مستحضرات تجميل، وهو ما يعكس فسادًا فاضحًا وعدم احترام حياة المواطن المصري.
لا يمكن أن يمر هذا الواقع المؤلم دون محاسبة، لكن الحكومة المصرية ما تزال تلتزم الصمت. تجار الخردة، الذين يعملون تحت حماية النظام، يواصلون بيع الأدوات الطبية المعاد تدويرها بأقل الأسعار، دون مراعاة للسلامة الصحية.
ويأتي هذا في وقت تزداد فيه الأعداد المؤسفة للمرضى الذين يُصابون بالأمراض المعدية والفيروسات القاتلة نتيجة لهذه النفايات.
الحلول المؤجلة: كلام على الورق فقط
بينما تتحدث وزارة البيئة عن حلول مزعومة، مثل إنشاء مدافن صحية ومحارق متطورة، فإن الواقع يشير إلى أن هذه المشاريع مجرد عمليات تجميلية لا تقدم حلولاً حقيقية.
السلطات أعلنت عن خطة لتدريب 111 مسؤولاً عن إدارة المخلفات الطبية، إضافة إلى تدريب 1000 من العاملين في هذا المجال، لكن كيف يمكن تطبيق هذه التدريبات في ظل غياب الرقابة الفعالة؟ كيف يمكن للوزارات المعنية أن تؤمن بيئة صحية للمواطنين في ظل الفساد المستشري وعدم تطبيق القوانين؟
كما تم الإعلان عن إنشاء شبكة إلكترونية لربط عمليات التخلص من النفايات الطبية، إلا أن الواقع يكشف عن عمليات فساد واسعة النطاق في التعامل مع هذه المخلفات، التي تُباع وتُستخدم في صناعات لا تُراعي أبسط معايير الأمان.
التحديات الكبيرة: وقف نزيف الأرواح
إن ما يُعرف بـ “قانون إدارة المخلفات” الذي كان يُفترض أن يعالج هذه المشكلة، تحول إلى وسيلة جديدة للقطاع الخاص للاستفادة من نفايات مصر.
القطاع الخاص الذي لا يهمه سوى الربح، ينقض على هذه النفايات، ليعرض صحة الإنسان للخطر دون أي رادع. وسط هذا الصمت الحكومي، يبقى المواطن المصري ضحية لتجار الموت الذين ينهبون أرواحهم ويعرضونهم لأخطار جمة.
إن المسؤولية تقع بشكل كامل على عاتق الحكومة المصرية التي فشلت في تأمين حياة المواطنين، بينما تواصل تضخيم مشاريع لا تعكس أية تحسينات حقيقية.
إذا لم تتخذ الحكومة خطوات جادة وحاسمة لحل هذه الأزمة، فإن مصر ستظل تغرق في بحر من النفايات، ولن ينجو أحد من نتائج هذا الفساد المتواصل.