تقاريرمصر

مصر بين طمع الحكومة وفشلها .. زيادة 40 دولارًا للطن في صفقة قمح

في خطوة مثيرة للدهشة ومثيرة للقلق في آن واحد، كشفت وزارة التموين عن تعاقداتها الأخيرة التي تظهر تفشي الفساد الحكومي والإهمال الفاضح في إدارة الموارد الحيوية، خصوصًا في ملف استيراد القمح.

التعاقد الذي أبرمته الهيئة العامة للسلع التموينية على شراء 290 ألف طن من القمح المستورد من ثلاث دول، يعكس حقيقة مفزعة حول تلاعب الحكومة في صفقات ضخمة، حيث تم دفع زيادة غير مبررة بلغت 40 دولارًا لكل طن عن آخر عملية شراء، وهو ما يعد نهبًا واضحًا لثروات الشعب المصري.

التفاصيل المدمرة:

قامت الهيئة العامة للسلع التموينية بتوقيع عقد شراء 290 ألف طن من القمح المستورد من ثلاثة مناشئ مختلفة: 120 ألف طن من القمح الروماني، 120 ألف طن من القمح الأوكراني، و50 ألف طن من القمح البلغاري.

وعلى الرغم من أن مصر في حاجة ماسة إلى هذه الكميات لضمان استقرار احتياطيها الاستراتيجي من القمح، إلا أن الأسعار التي تم دفعها تتناقض بشكل صارخ مع الواقع.

وزارة التموين لم تكن حريصة على تحقيق أي فائدة اقتصادية للشعب، بل إنها دفعت بسخاء مبلغًا إضافيًا قدره 40 دولارًا لكل طن مقارنة بآخر عملية شراء، مما يزيد من التكلفة الإجمالية بشكل غير مبرر.

حيث تمت إضافة تكلفة النقل البحري، والتي رفعت متوسط السعر إلى 275 دولارًا للطن. وبذلك، ارتفعت قيمة التعاقدات بشكل غير مبرر في وقت كان فيه الأولى تقليص النفقات وتحقيق وفورات حقيقية، بدلًا من السعي وراء مصالح شخصية.

الأسعار الفاحشة والمبالغة في التكلفة:

في تفاصيل الصفقة التي أبرمتها الهيئة، نجد أن الهيئة اشترت شحنتين من القمح الروماني بسعر 260 دولارًا للطن، دون احتساب تكاليف الشحن.

بينما تم شراء شحنتين من القمح الأوكراني بسعر 252 دولارًا للطن، دون حساب تكاليف النقل، وشحنة واحدة من القمح البلغاري بسعر 261 دولارًا للطن.

وبالنظر إلى تكلفة النولون البحري، أصبح السعر النهائي لكل طن في المتوسط 275 دولارًا. هذه الزيادة الواضحة في الأسعار لا تفسير لها سوى المحسوبية والفساد، في وقت يعاني فيه المواطن المصري من أزمة اقتصادية خانقة، والضرائب التي تزداد بشكل غير مسبوق.

توجيهات القيادة السياسية؟

لا يمكن إغفال ما قالته وزارة التموين بشأن هذا التعاقد، حيث أشارت إلى أن الهدف من هذه الصفقة هو زيادة الاحتياطي الاستراتيجي للقمح إلى 5 أشهر.

ولكن لماذا هذا التوجه الآن، وهل هو فعلاً لمصلحة المواطن المصري أم أن هناك أهدافًا أخرى خفية؟ التعاقدات جاءت في وقت كانت فيه الهيئة قد أعلنت عن حاجتها لاستيراد 3.8 مليون طن قمح، وبالطبع كان من المتوقع أن تكون هناك زيادة في الأسعار بسبب ارتفاع العروض.

ولكن هل يعقل أن تكون الحكومة قد وقعت في فخ الزيادة المستمرة في الأسعار دون دراسة أو حسابات دقيقة؟ وهل كان من الممكن تحقيق وفورات أكبر إذا تمت المناقشات بشكل أكثر شفافية واحترافية؟

المؤامرة الكبرى:

قبل ثلاثة أشهر فقط، وفي شهر أغسطس 2024، كانت الهيئة العامة للسلع التموينية قد أعلنت عن مناقصة أقل بكثير من هذه، حيث اكتفت بتعاقد على شراء 280 ألف طن فقط.

وفي ذلك الوقت، كانت الهيئة تستهدف شراء 3.8 مليون طن من القمح بسبب ارتفاع أسعار العروض. والسؤال هنا: كيف يمكن تبرير هذه الفجوة الواضحة بين ما تم التعاقد عليه الآن وما تم التعاقد عليه سابقًا؟ ما الذي تغير في هذه الفترة الزمنية القصيرة؟

في النصف الأول من عام 2024، ارتفعت واردات مصر من القمح إلى 7.1 مليون طن، أي بزيادة قدرها 31% مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي.

وهذا الرقم يشير إلى تزايد الاعتماد على الواردات في وقت كان من المفترض أن يتم تعزيز الإنتاج المحلي من القمح بشكل أكبر، لكن مع استمرار الفساد والتقصير الحكومي، يبدو أن هذا الهدف بعيد المنال.

النتيجة الكارثية:

ما يثير القلق أكثر هو غياب الشفافية والمحاسبة في كيفية إدارة هذه الصفقات، ففي الوقت الذي يعاني فيه المواطن المصري من ارتفاع الأسعار، وتدهور الوضع الاقتصادي، تُظهر الحكومة فشلًا مدويًا في إدارة ملف القمح.

هذا التعاقد يعد مثالًا صارخًا على كيفية إدارة المال العام بأسلوب فاسد، حيث يتم التلاعب بأسعار السلع الأساسية دون رادع أو رقابة حقيقية.

وفي ظل هذه الأزمات المستمرة، يبقى السؤال الأهم: إلى متى ستظل الحكومة المصرية تعيش في دائرة الفشل والفساد، دون أن يتحرك أحد لمحاسبة هؤلاء المسؤولين الذين يعبثون بمقدرات الشعب المصري؟

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى