تحتل مصر المركز الـ61 عالميًا والمركز السادس في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مؤشر تنافسية السفر والسياحة لعام 2024 من بين 119 دولة ومع هذه المرتبة المتأخرة يتجلى بشكل صارخ الإهمال الحكومي والتراخي في مواجهة التحديات الحقيقية التي تهدد قطاع السياحة الحيوي بالنسبة للاقتصاد المصري حيث يتمتع هذا القطاع بإمكانات هائلة لكنه يعاني من سوء الإدارة والفساد والبيروقراطية التي باتت تلتهم أي فرصة للتطور أو التقدم السياحي
منذ سنوات والحكومة المصرية تتحدث عن خطط استراتيجية لتطوير القطاع السياحي ورغم الوعود المستمرة إلا أن النتائج على أرض الواقع تبدو بعيدة كل البعد عن تلك التصريحات الرنانة فقد ظلت مصر تتراجع في التصنيفات العالمية رغم أنها تمتلك من المقومات الطبيعية والتاريخية ما يجعلها وجهة سياحية لا تضاهى ومع ذلك نجد أن مراكز أخرى في الشرق الأوسط حققت قفزات هائلة بينما ما زالت مصر تحارب للحفاظ على موقعها المتواضع
وفقًا للتقرير الأخير حول تنافسية السفر والسياحة لعام 2024 الذي يصدر عن المنتدى الاقتصادي العالمي جاءت مصر في المركز الـ61 عالميًا من بين 119 دولة والمركز السادس في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وهو ترتيب مخيب للآمال ويثير العديد من التساؤلات حول أداء الحكومة في هذا القطاع الحيوي مصر التي تعتبر واحدة من أعرق الدول السياحية على مستوى العالم لا تستطيع مجاراة دول أخرى في المنطقة أقل منها في الموارد السياحية والتاريخية وهذا التراجع لا يمكن تفسيره إلا بالفساد الإداري والمالي الذي ينخر في مؤسسات الدولة
التقرير أشار بوضوح إلى أن المشاكل التي تواجه قطاع السياحة في مصر تتعلق بالفساد وتدني مستوى الخدمات وتدهور البنية التحتية وعدم كفاءة العاملين في المجال السياحي بالإضافة إلى مشاكل الأمن والاستقرار التي تزيد من عزوف السياح عن زيارة البلاد بدلًا من أن تعمل الحكومة على تحسين هذه الجوانب نجد أن الأمور تتدهور عامًا بعد عام فيما تستمر الجهات الحكومية في إلقاء اللوم على الظروف الاقتصادية العالمية أو الأزمات الدولية متجاهلة حقيقة أن معظم هذه المشكلات يمكن حلها بإرادة حقيقية وإدارة ناجحة
ليس الفساد وحده هو ما يقف عائقًا أمام تطور السياحة المصرية بل إن البيروقراطية العقيمة تلعب دورًا لا يستهان به فإجراءات الحصول على التراخيص والتصاريح المتعلقة بالسياحة تعد من أكثر الأمور تعقيدًا على الإطلاق وهو ما يجعل المستثمرين يفرون من الدخول في هذا القطاع الهام والأدهى من ذلك هو أن الكثير من هذه الإجراءات تفرض رسومًا خيالية لا تعود بالنفع على تحسين الخدمات بل تذهب إلى جيوب الفاسدين في المؤسسات المعنية
الإحصاءات تشير إلى أن الحكومة المصرية فشلت بشكل كبير في تحقيق أهدافها المتعلقة بزيادة أعداد السياح فعلى الرغم من التوقعات بارتفاع أعداد السياح إلى 15 مليون سائح خلال العام الجاري إلا أن الأرقام الفعلية جاءت أقل بكثير والسبب الرئيسي هو تقاعس الحكومة عن القيام بالإصلاحات المطلوبة كما أن التقارير الدولية حول مستوى الأمان في مصر لا تزال تعطي مؤشرات سلبية ما يؤثر بشكل مباشر على قرار السياح باختيار مصر كوجهة سياحية
التراجع في ترتيب مصر على مؤشر تنافسية السياحة يعكس بشكل واضح غياب الرؤية الحكومية الواضحة لتطوير هذا القطاع بل ويكشف عن الفشل في استغلال الفرص المتاحة لتحسين الخدمات والبنية التحتية السياحية فعلى الرغم من التصريحات الحكومية المتكررة عن تحسين جودة الطرق والمواصلات وتطوير المطارات والموانئ إلا أن الحقيقة على أرض الواقع تشير إلى عكس ذلك تمامًا فالعديد من المناطق السياحية تعاني من سوء الطرق المؤدية إليها وعدم توفر وسائل نقل مناسبة وهو ما يجعل الوصول إليها بمثابة معاناة للسياح
في المقابل نجد أن دولًا أخرى في المنطقة مثل الإمارات والسعودية حققت قفزات نوعية في هذا المجال حيث استثمرت في تحسين البنية التحتية وتسهيل الإجراءات الإدارية لجذب السياح والمستثمرين على حد سواء بل أن بعض هذه الدول أصبحت تنافس الدول الأوروبية في مجال السياحة من حيث الجودة والتنوع في المنتجات السياحية وهو ما يجعلنا نتساءل لماذا تفشل مصر في استغلال ما تمتلكه من موارد فريدة في هذا المجال ولماذا تظل الحكومة عاجزة عن تقديم حلول حقيقية لتطوير القطاع السياحي
الفساد المستشري في الأجهزة الحكومية لا يتوقف عند الحد الإداري بل يمتد إلى القطاع الأمني حيث أن بعض العاملين في أجهزة الأمن يتورطون في عمليات ابتزاز للسياح والمستثمرين وهو ما يؤدي إلى تدمير سمعة مصر كدولة سياحية فبدلًا من أن تكون السياحة مصدرًا لجذب العملات الأجنبية أصبحت مصدرًا للفساد المالي والإداري الذي لا يخدم إلا المصالح الشخصية لكبار المسؤولين
عندما نتحدث عن مصر وقطاع السياحة لا يمكن تجاهل أن البلاد تعاني من مشكلات أعمق تتعلق بعدم الاستقرار السياسي والأمني فالعمليات الإرهابية التي تستهدف السياح من وقت لآخر والتوترات السياسية الداخلية جعلت من مصر دولة غير آمنة بنظر العديد من دول العالم وهذا بالطبع يؤثر سلبًا على ترتيبها في مؤشر التنافسية السياحية فرغم أن السياحة تعتبر ركيزة أساسية للاقتصاد المصري إلا أن الحكومة تبدو غير قادرة على توفير المناخ الآمن والمناسب لجذب السياح
مما لا شك فيه أن مصر تمتلك كل المقومات لتصبح وجهة سياحية عالمية من الطراز الأول ولكن ما يحدث على أرض الواقع من فساد وإهمال يعرقل أي فرصة للتقدم والتطور الحكومة المصرية مطالبة باتخاذ خطوات جادة وحقيقية لمحاربة الفساد وإصلاح البيروقراطية وتحسين مستوى الأمن والخدمات السياحية وإلا فإن الوضع الحالي سيستمر في التدهور وستفقد مصر مكانتها السياحية العالمية