تقاريرعربي ودولى

صراع الفصائل في عفرين: الدماء والأزمات تنكشف في خيمة اللجوء

في مشهد دراماتيكي يثير الرعب ويعكس عمق الأزمة السورية الممتدة منذ أكثر من عقد تشهد منطقة عفرين شمال حلب اشتباكات دامية بين فصائل المعارضة المسلحة وهو ما يسلط الضوء على الفوضى والانهيار الذي يعيشه الشمال السوري

حيث يجتمع الجوع والتهجير مع مشهد الاقتتال بين الأخوة في السلاح على أراضٍ يُفترض أنها محررة من قبضة النظام لكن ما يحدث هو كابوس آخر لم تكن تتوقعه العائلات النازحة التي تفر من هول القصف والموت.

جاءت الأحداث لتندلع في منطقة حور كلس ثم تنتقل بوحشية إلى محيط عفرين حيث عانت مخيمات المهجرين قسراً من نيران الاشتباكات مما أسفر عن مقتل سيدة وإصابة طفلة بجروح بليغة فضلاً عن سقوط 16 قتيلاً وجريحاً من عناصر الفصائل المتقاتلة التي لم تُدرك بعد أن هذا الاقتتال لن يجلب سوى الكارثة للجميع.

في مخيم أورم، شهدت الأجواء حالة من الذعر والهلع بعد أن تساقطت الرصاصات كالمطر وأصابت مواطنة لا ذنب لها سوى أنها تبحث عن الأمان في خيمة لا تحمي من رصاصات يُفترض أنها مُوجهة لعدو يُراد طرده من هذه الأراضي، لكن الأمر هنا مختلف فالمعارك هنا لم تكن ضد النظام بل ضد فصائل تتقاسم الأرض والسلطة وكأن الحرب صارت على من يملك السلاح الأقوى على حساب دماء الأبرياء.

تحدث أحد النازحين قائلاً كنا نعيش تحت وطأة القصف الروسي ونستمع للأخبار عن المجازر التي تُرتكب في إدلب لكن ما كنا نعلمه أن الجحيم سيطالنا هنا في عفرين بل أصدقاؤنا الذين فررنا معاً نحو الأمان باتوا ضحايا للأسلحة التي يُفترض أن تحمينا. تتصاعد الأصوات في المخيم مع كل طلق ناري بينما تتناثر الذكريات القاسية حول ما هربنا منه دون أمل في الهروب من واقع آخر تكرره الفصائل المسلحة التي كانت تشكل أمل السوريين في مقاومة الظلم.

اشتباكات عنيفة اندلعت في 17 أكتوبر 2024 وتواصلت حتى اليوم التالي حيث استخدمت فيها جميع أنواع الأسلحة المتوسطة والثقيلة وهو ما دفع بمدنيين أبرياء إلى مجازر لا يُمكن وصفها إلا بالكابوس المدمر، لم يكن للأسر المتواجدة في المخيمات من خيار سوى البقاء تحت التهديد المستمر لسقوط القذائف والصواريخ التي تساقطت فوق رؤوسهم دون سابق إنذار.

يعود الصراع إلى خلفيات معقدة تندرج ضمن محاولات السيطرة والنفوذ حيث أُثيرت ضغوطات تركية على الفصائل المسلحة في اجتماع عُقد في غازي عنتاب لتوحيد صفوف الجيش الوطني لكن هذه الضغوطات قوبلت بمعارضة شديدة من فصيل صقور الشمال الذي اعترض على قرارات تتعلق بفتح معبر أبو الزندين لكونه اعتبره خطراً على مصالح الثورة، وكانت تلك الاعتراضات كفيلة بدق المسمار الأخير في نعش الفصيل بعدما اعتبر القرار بمثابة خيانة لكل ما ضحى به.

في السياق نفسه، انعقد الاجتماع بين ممثلين للجيش والمخابرات التركية مع قيادات الفصائل وتم تبادل الاتهامات الحادة بين عبدالرحمن مصطفى رئيس الحكومة المؤقتة وفصيل الجبهة الشامية ما أدى إلى أزمة داخلية تعكس الانقسام الحاد بين الفصائل وتبرز مدى الفوضى المستشرية في المشهد السوري. لم يكن الاجتماع مجرد مناسبة للاجتماع بل كان بمثابة جرس إنذار لأطراف الصراع حول ضرورة التوافق على رؤية واحدة لكن يبدو أن الخلافات كانت أكثر عمقاً مما يمكن تجاوزه.

عادت الاتهامات المتبادلة لتحتدم مرة أخرى عقب اندلاع تظاهرات في الشمال السوري اعتراضاً على السياسات التركية ورفع شعارات تدعو إلى وحدة الصف والوقوف في وجه النظام وهو ما جعل الجبهة الشامية تتهم الحكومة المؤقتة بقمع حرية الرأي والتظاهر بينما تتهم الحكومة الشامية بالتسبب في الفوضى وهذا يعكس الصراع الداخلي المستمر الذي يعصف بفصائل المعارضة.

مع استمرار الاشتباكات توالت الضغوط الإنسانية على المدنيين حيث لم تجد فرق الدفاع المدني في شمال حلب إلا أن تطلب هدنة إنسانية لحماية النازحين من ويلات الاقتتال الحاصل بينما تصاعدت حالات النزوح والفرار من المخيمات التي تحولت إلى ساحات معارك. وعلى الرغم من وجود الهدن إلا أن الأحداث لم تتوقف حيث كانت التحركات بين الفصائل تثير المخاوف لدى المدنيين مما يدفعهم للعيش في حالة من الهلع المستمر.

أصبح مشهد النازحين في المخيمات مؤلماً حيث لم يعد الأمر يتوقف على تهديدات القصف الخارجي بل تمت إضافة صراع الفصائل إلى قائمة المعاناة المستمرة، فقد أُجلي نحو 300 عائلة من مناطق النزاع في إطار الهدنة التي تمت بعد جهود من الدفاع المدني، لكن سرعان ما عاد القلق ليخيم على الأجواء بعد أن أُعلن عن استئناف الاشتباكات مرة أخرى وهو ما يعكس انعدام الأمان في مناطق أصبحت بمثابة سجون كبيرة للمهجرين.

وفي خضم هذه الأوضاع القاسية، تُركت الفصائل المسلحة بين خيارين إما الإذعان للأوامر التركية أو مواجهة المصير نفسه الذي واجهه فصيل صقور الشمال الذي حل نفسه وسلم سلاحه بعد معارك طاحنة حيث أصبح الوضع سلبياً بشكل مريع، مما أفضى إلى تعزيز هيمنة الحكومة المؤقتة والفصائل المتبقية دون النظر إلى المعاناة الحقيقية التي يعيشها المدنيون.

يعيش سكان عفرين حالة من فقدان الأمل حيث غابت الرؤية الواضحة لمستقبلهم مع استمرار الفوضى والاقتتال، فقد بات واضحاً أن المعركة لم تعد ضد النظام بل ضد أنفسهم. إن قيادات الفصائل التي تسعى إلى جمع المال والنفوذ على حساب معاناة الآخرين تُسهم في تعميق أزمة الشعب السوري ولا يُتوقع منها أية حلول حقيقية تعيد الأمل للسوريين الذين ينتظرون الخلاص.

لم يعد الوضع يحتمل المزيد من الوعود الكاذبة والأحلام الوردية فالتنازلات المستمرة والمفاوضات العقيمة لن تجلب أي خير بل ستدفع البلاد نحو مزيد من الفوضى والدمار، وقد تكون السنوات المقبلة أكثر تعقيداً، فهل سيتحقق السلام المنشود أم أن العنف والفوضى سيستمران في سرقة أحلام السوريين؟

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى