الهلاك المائي في الهباط: تلوث يهدد حياة السكان والمستقبل
في قرية الهباط التي كانت تنبض بالحياة والأمل منذ زمن بعيد سادت أجواء من الخوف والذعر منذ بداية مايو 2024 مع تلوث جميع آبار البلدة وهذا التلوث لم يعد مجرد خبر عابر بل أصبح مشكلة حياتية عميقة تتغلغل في أعماق كل منزل وتؤثر على كل فرد من سكانها الذين يعتمدون على الزراعة ويزرعون أشجار الزيتون والقمح في محاولة للبقاء على قيد الحياة.
لقد اختلطت المياه بملوثات شديدة الخطورة وأصبحت شريان الحياة الذي كانت تنعم به القرية في خطر شديد مما يهدد مصير العائلات التي اعتادت على الاعتماد على مصادر طبيعية في معيشتها.
تاريخ هذا التلوث يعود إلى قرار مأساوي اتخذته وزارة الإدارة المحلية في حكومة الإنقاذ حيث حولت مقلع الحجارة المجاور للقرية إلى مقلب للنفايات الطبية والغذائية مما أدى إلى تسرب عصاراتها إلى جوف الأرض. وكأن هذا القرار الذي كان من المفترض أن يكون خطوة نحو التطوير تحول إلى بداية لكارثة محققة تهدد صحة السكان ونمط حياتهم.
تعود قصة سالم وأسرته إلى سنوات مضت حيث كانت لديهم آمال كبيرة في حصاد أشجار الزيتون التي زرعوها بجهودهم. كانت لحظات الجني تعني لهم الفرح والازدهار وكانت أشجارهم هي مصدر الرزق والعزوة.
ومع مرور الوقت ومع تألق أشجار الزيتون أصبحت العائلة تعتمد على المحصول لتأمين مستلزماتهم اليومية. ولكن كل شيء بدأ يتغير حين بدأت المياه التي كانوا يشربون منها لسلسلة سنوات طويلة تتلوث. في يوم مشؤوم، لاحظ أبناء سالم تغير لون المياه من صفاء إلى أصفر قذر ورائحة كريهة تفوح منها مما جعلهم يدركون حجم الكارثة التي تحيط بهم.
إن مشكلة مياه الهباط ليست مجرد مشكلة مياه ملوثة بل هي أزمة حياة وصحة بالنسبة لكل السكان. من جهة، يضطر سالم إلى إنفاق الأموال التي لم يعد يمتلكها لشراء مياه الشرب التي أصبحت تتجاوز تكلفتها 200 ليرة تركية للخزان الواحد الذي لا يكفي حتى لاحتياجات أسرة صغيرة.
ومن جهة أخرى، تُحرم عائلته من النعمة التي اعتادوا عليها في الري وزراعة أشجار الزيتون التي كانت مصدر فخر لهم. إن التلوث الذي تسرب إلى الآبار بات يهدد المحاصيل الزراعية، وبدأت المخاوف تتزايد من عدم قدرتهم على العيش بشكل طبيعي.
كما أن حياة أبو سامر الذي كان يفتخر بقطيع أغنامه لم تعد كالسابق. فبعد أن كان يوزع الحليب على الجيران ويشرف على صحة قطيعه أصبح اليوم مضطراً لمشاركة المياه الملوثة مع الأغنام التي كانت تُعتبر رمزاً للخصوبة في القرية.
ولأن الأمور أصبحت شائكة، لم يعد أمامه سوى خيار بيع جزء من قطيعه لتوفير ثمن المياه. هذا القرار هو بمثابة حكم بالإعدام على مصدر رزقه وزرع الأمل في قلوب أبناءه. حياة كل عائلة في الهباط أصبحت مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالمياه، ومع انتشار التلوث، بدأ الحلم بالخير يتلاشى ليحل محله الخوف من المجهول.
مع تزايد التلوث، بدأت القرية تواجه أزمة إنسانية حقيقية. فبالإضافة إلى الآبار التي فقدت جودتها، انتشرت الروائح الكريهة في كل ركن من أركان البلدة، مما جعل الحياة فيها مستحيلة.
إن انتشار الحشرات التي تحمل الأمراض زاد من قلق الأهالي، ولم يعد هناك مأمن من التلوث الذي لم يتوقف عند حدود القرية بل امتد ليهدد مخيمات النازحين القريبة.
نظمت القرية عدة اجتماعات لمناقشة الوضع الطارئ وتحديد المسؤولين عن الكارثة، وخلصت النقاشات إلى نتيجة واحدة وهي أن وزارة الإدارة المحلية هي السبب الرئيسي وراء ما حصل.
لقد كانت تحويل مقلع الهباط إلى مقلب نفايات بمثابة قنبلة موقوتة لم تُفجر إلا بعد سنوات من الإهمال واللامبالاة. لم يعد السكان يترددون في توجيه أصابع الاتهام، فالكارثة واضحة والضحية هم الأهالي الذين يعيشون تحت وطأة التلوث.
يعتقد العلماء أن الوضع لن يتحسن قريباً بل على العكس فإن مستويات التلوث ستستمر في الارتفاع ما لم تتخذ إجراءات فورية.
وإن الحلول الممكنة تتمثل في إيقاف عملية إلقاء النفايات في المقلع، لكن تنفيذ هذا الأمر يتطلب إرادة قوية من الجهات المعنية وعملاً فعلياً لضمان سلامة السكان. لكن للأسف، تبدو الصورة قاتمة، فمع مرور الوقت، تزداد تعقيدات القضية وكأنما يزداد الوضع سوءاً يوماً بعد يوم.
إذا نظرنا إلى المسألة من زوايا متعددة، يتضح أن التلوث لا يؤثر فقط على المياه بل على كافة جوانب الحياة في الهباط.
فالأشجار لم تعد قادرة على النمو، والمحاصيل تتراجع، وأصبح الفقر يُعاني منه الجميع، بينما تتعالى أصوات الأطفال من داخل البيوت تطالب بالماء النقي. إن مشاهد الفقر والجفاف ووجه الشحوب في عيون الأطفال تشكل لوحة قاتمة تثير مشاعر الحزن والقلق.
إن الأوضاع في قرية الهباط ليست مجرد حالة محلية بل تعكس قضايا أوسع تتعلق بإدارة الموارد الطبيعية وسلامة البيئة.
فإن أي تفكير في مستقبل القرية يجب أن يشمل إعادة النظر في السياسات البيئية والبحث عن حلول مستدامة. إن الانهيار البيئي لا يقتصر فقط على الهباط بل يشمل مناطق واسعة من سوريا، ومن الضروري على المجتمع الدولي والمحلي أن يتحمل المسؤولية ويعمل بجدية لحل هذه الأزمة قبل أن تتفاقم الأمور إلى ما لا يُحمد عقباه.
في الختام، يبدو أن السكان في قرية الهباط على حافة الهاوية، محاصرون بين الأمواج العاتية من التلوث والإهمال.
ومع غياب الحلول الفورية، فإن معاناتهم ستستمر، ويبدو أن الوعود وحدها لن تكفي لإعادة الأمل إلى قلوبهم. في عالم يتجاهل صرخاتهم، يبقى السؤال: متى ستتحرك الجهات المسؤولة لإنقاذهم من هذه الكارثة؟